تَصْحِيحُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْوُجُودِ وَالتَّقَوُّمِ فَكَانَ كَالصَّدَاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ سُقُوطَ الْقَوَدِ كَمَا أَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا، وَقَدْ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ بِمَا سُمِّيَ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِ مَا سُلِّمَ لَهُ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ وَالتَّقَوُّمُ فِي نَفْسِهِ وَبَدَلُ النَّفْسِ الدِّيَةُ.
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مَا فِي نَخْلِهِ مِنْ ثَمَرَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ تَسْتَحِقُّ صَدَاقًا وَتَسْتَحِقُّ مَبِيعًا فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى مَا يَحْمِلُ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ عَفَا الْآخَرُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ آخَرَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْقَطَ حَقَّهُ عَمَّا لَهُ مِنْ الْقَوَدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَقَوِّمٌ صَالِحٌ لِلِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مَالًا قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ وَهُنَا الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَحِقُّ بِالصُّلْحِ مُتَقَوِّمًا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْقِصَاصِ كَمَا قَرَّرْنَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْقَوَدِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُسْتَحَقُّ صَدَاقًا.
وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى حُرٍّ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَهُوَ عَفْوٌ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، فَلَا يَكُونُ هُوَ بِاشْتِرَاطِهِ طَالِبًا لِلْعِوَضِ عَنْ إسْقَاطِ الْقَوَدِ، وَلَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْقَاطِعِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ، وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَهْرِ الْمِثْلِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ النِّكَاحِ لَا بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ اسْتِحْقَاقُ الْبَدَلِ بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا كَانَ الْعَفْوُ مَجَّانًا وَعَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، فَإِنَّا نَجْعَلُ تَسْمِيَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ الزَّوْجَ بِالنِّكَاحِ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِعِوَضٍ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ وَهُنَا مَنْ لَهُ الْقَوَدُ يُسْقِطُ الْقَوَدَ، وَلَا يَمْلِكُ الْقَاتِلُ شَيْئًا وَإِسْقَاطُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَصُونٍ عَنْ التَّبَذُّلِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْمَالُ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ عِوَضٍ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ رِجْلَهُ فَهَذَا عَفْوٌ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ عِوَضًا مَالًا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فَكَانَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سَوَاءً، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ مِنْ مَالٍ فَيَكُونُ كَسَائِرِ صُلْحِ الدُّيُونِ إذَا بَطَلَ بَقِيَ الْمَالُ وَاجِبًا كَانَ هُوَ الدِّيَةَ.
وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute