للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقَسَّمُ هَذِهِ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَقْبُوضِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِ الْعَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ فَوَجَبَ قِسْمَةُ الْمَقْبُوضِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، ثُمَّ الْإِبْرَاءُ فِي ذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا لَا يُغَيِّرُ فِي الْمَقْسُومِ، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ قَدْ تَمَّ اسْتِيفَاؤُهُ فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَقْبُوضِ قَسَّمَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُقَسِّمْ، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُ إبْرَائِهِ فِيمَا بَقِيَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لِصَاحِبِ الْعَيْنِ خُمُسُ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ عَلَى مِقْدَارِ الْقَائِمِ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَعِنْدَ الْقِسْمَةِ حَقُّ صَاحِبِ الْعَيْنِ فِي الْمِائَةِ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ كَانَ هَذَا وَالْإِبْرَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ لَمْ يَقْضِ لَهُمَا بِشَيْءٍ حَتَّى صَالَحَهُمَا عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا اسْتَوْجَبَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَوْ اسْتَوْفَيَا الْقِيمَةَ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا فَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَهُمَا عَلَى الْعَبْدِ.

وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهَا، وَقَدْ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ رَقَبَتِهَا بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَصَالَحَهُمَا الْمَوْلَى عَلَى عَبْدٍ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا فَاخْتَلَفَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا وَلِيُّ الدَّمِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِي الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي احْتِمَالِ أَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ مِثْلُ صَاحِبِهِ، فَإِنْ قَالَ مَوْلَى الْمُدَبَّر لِأَحَدِهِمَا: أَنْتَ وَلِيُّ الْقَتْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالزِّيَادَةِ وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ فِي الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ مَقْبُولٌ، وَقَدْ أَنْكَرَ حَقَّ الْآخَرِ فِي الزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِقَتْلٍ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِإِقْرَارِ الْقِنِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ نَفْسُهُ قِصَاصٌ، وَهُوَ خَالِصٌ حَقُّهُ وَالتُّهْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ إقْرَارِهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ صَالَحَ مَوْلَاهُ عَنْهُ أَحَدُ وَلِيَّيْ الدَّمِ عَلَى ثَوْبٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمَوْلَى إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصُّلْحِ لَمْ يَصِرْ مُقِرًّا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ دَعْوَى الْقِصَاصِ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ لِرَجُلَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدَهُمَا مَعَ الْإِنْكَارِ لَا يَصِيرُ بِهَذَا الصُّلْحِ مُقِرًّا لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ وَإِقْرَارُ الْمُدَبَّرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِجِنَايَتِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى وَبَعْدَمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا الْمُسْتَحِقَّ لِلْآخَرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْمَالِ، فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمُدَبَّرِ مَا لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى بِذَلِكَ أَوْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.

وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَهَا مِنْ الْجِرَاحَةِ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، فَإِنْ أَبْرَأَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>