مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَرْشُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنَّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنْ بَرَأَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ عَلَيْهَا خَمْسَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ مَالٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ وَالْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ التَّزْوِيجُ عَلَى الْيَدِ وَالضَّرْبَةِ أَوْ الْجِرَاحَةِ أَوْ الْقَطْعِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي الصُّلْحِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الصُّلْحِ بِالسِّرَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَعِنْدَهُمَا الصُّلْحُ صَحِيحٌ فَهَاهُنَا كَذَلِكَ.
عِنْدَهُمَا الْقَوَدُ سَاقِطٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّهُ سَمَّى الْيَدَ فِي التَّزْوِيجِ وَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي النَّفْسِ فَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْجِنَايَةِ وَهِيَ عَمْدٌ، ثُمَّ مَاتَ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُنَا كَقَوْلِهِمَا إنَّ الْقَوَدَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنَايَةِ يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَى الضَّرْبَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ عَاقِلَتِهَا مَهْرَ مِثْلِهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظَةُ بَدَلِ النَّفْسِ وَمَا دُونَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فِرَاشٍ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ لَهَا وَالْوَصِيَّةُ مِنْهُ لَهَا وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ فَالْمُسْتَحَقُّ لَهَا مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا يُدْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لِعَاقِلَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَخَذَ مِنْ عَاقِلَتِهَا نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنُظِرَ إلَى النِّصْفِ الْبَاقِي فَيَرْجِعُ مِنْهُ عَنْ عَاقِلَتِهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ صَحِيحٌ وَبَقِيَ نِصْفُ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ لَهَا فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى ثُلُثِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُوجِبًا بِذَلِكَ لِعَاقِلَتِهَا فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَتُؤَدِّي الْعَاقِلَةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً عَمْدًا فَتَزَوَّجَتْ أُخْتُ الْجَارِحِ الْمَجْرُوحَ عَلَى أَنَّ مَهْرَهَا الْجِرَاحَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا خَاصَّةً دُونَ أُخْتِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَإِنْ بَرِئَ فَهُوَ عَفْوٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute