للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعْلٍ حِينَ سَمَّتْ مَا لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهَا وَصَرِيحُ لَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ جَعْلٍ لَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ قِصَاصٌ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ بِاعْتِبَارِهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى الْجِنَايَةِ أَوْ الْجُرْحِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَمَاتَتْ، وَهُوَ عَمْدٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ قِيلَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قِصَاصٌ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ عَفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ ثَابِتًا. قُلْنَا: وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ عِنْدَ صَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الزَّوْجِ مَا لَهُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ وَالْمُسْقَطُ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِيرُ بَائِنًا بِاعْتِبَارِ الْإِسْقَاطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَ رَجُلٍ امْرَأَةٌ وَأَمَتُهُ تَحْتَ عَبْدِهَا فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ طَلَّقَ عَبْدُهَا أَمَتَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّلَاقَيْنِ يَكُونُ رَجْعِيًّا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِالثُّلُثِ مِنْ تَرِكَتِهَا؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْمَالَ. وَالْمَرِيضَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ وَصِيَّةٌ مِنْهَا لِعَاقِلَةِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْبَاقِي وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِجَعْلٍ، وَلَا مِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ.

وَإِذَا جَرَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ رَجُلٍ خَطَأً فَصَالَحَهَا زَوْجُهَا عَلَى أَنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى أَنْ عَفَتْ لَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ مَاتَتْ مِنْهُ فَالْعَفْوُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ بِمُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ مَا هُوَ مَالُهُ، وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَارِحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّمْلِيكِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِمَالٍ إنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ جَائِزٌ كُلُّهُ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ وَالْقَوَدُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ عَفْوُهَا مِنْ الثُّلُثِ وَتَسْمِيَتُهُ لَا يُثْبِتُ الْبَيْنُونَةَ كَالْخَمْرِ.

وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ سِنَّ امْرَأَتِهِ فَصَالَحَهَا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنْ طَلَّقَهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَالٌ فَتَسْمِيَتُهُ بِمُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ اسْوَدَّتْ السِّنُّ أَوْ سَقَطَتْ سِنُّ ذَلِكَ مِنْ أُخْرَى، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنَايَةِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.

وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ مَا دَامَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي صَرْفِ كَسْبِهِ إلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ فَالْمَالُ لَازِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>