للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَخِّيَّةٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا سُودًا حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ فَالتَّبَرُّعُ كُلُّهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَرْفٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ، فَإِنَّهُ مُبَادَلَةُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَهُوَ صَرْفٌ وَالتَّأْجِيلُ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ، وَإِنَّمَا أَجَّلَهُ فِي الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَقْصُودَهُ فِي الصَّرْفِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّأْجِيلُ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَالَّةً وَقَبَضَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ افْتَرَقَا؛ لِأَنَّ الْمُصَارَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ الْمَقْبُوضَ مِمَّا كَانَ قَبْضُهُ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الصَّرْفِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَسِتِّينَ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يَنْقُدْهُ الْخَمْسِينَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْعَشَرَةِ مَعَ الدَّنَانِيرِ صَرْفٌ، وَقَدْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ التَّأْجِيلَ فِي بَعْضِ الْمِائَةِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ يُفْسِدُ الصَّرْفَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقُولُ إنَّ بَدَلَ الصَّرْفِ حَالٌّ مَقْبُوضٌ فِي الْمَجْلِسِ وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِي سِتِّينَ مِنْ الْمِائَةِ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْبَرَاءِ الْمُبْتَدَأِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ فَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَفْسُدُ عَقْدُ الصَّرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَالَ: سِتِّينَ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يَقُلْ وَعَلَى سِتِّينَ إلَى أَجَلٍ، وَمَقْصُودُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ، فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ الْمُبْتَدَأِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الشَّرْطِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَأَجَّلَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالتَّبَرُّعُ كُلُّهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمُوزَنَاتِ.

وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ كُرُّ حِنْطَةٍ فَصَالَحَهُ بَعْدَ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ عَلَى نِصْفِ كُرِّ حِنْطَةٍ وَنِصْفِ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى أَجَلٍ فَالصُّلْحُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ الْعَقْدَ مُبَادَلَةُ نِصْفِ كُرِّ حِنْطَةٍ بِنِصْفِ كُرِّ شَعِيرٍ وَالْقَدْرُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ فِي الْحِنْطَةِ إنَّمَا كَانَ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ مَقْصُودِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى الشَّعِيرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي فَهُوَ وَمَا لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا أَوْ كَانَ الشَّعِيرُ مَعِيبًا وَالْحِنْطَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الْحِنْطَةِ الَّتِي هِيَ دَيْنٌ بِالشَّعِيرِ بِعَيْنِهِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْحِنْطَةِ مُؤَجَّلَةً أَوْ حَالَّةً قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ قَدْ تَعَيَّنَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>