للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْعَقْدِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُؤَجَّلَةً فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَجَّلَهُ فِي الْحِنْطَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي مُبَادَلَةِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ التَّأْجِيلَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صِفَةَ الدَّيْنِيَّةِ وَالتَّأْجِيلِ فِي الْحِنْطَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الشَّعِيرَ بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، فَلَا يَكُونُ عَفْوًا بَعْدَ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ قِيلَ حِصَّةُ الشَّعِيرِ مِنْ الْحِنْطَةِ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ لِمَنْ عَلَيْهِ حِينَ سَقَطَ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ قُلْنَا صَارَ مَقْبُوضًا دَيْنًا وَالدَّيْنُ بِالسُّقُوطِ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ الْمُتْلَفِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ.

وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِضَّةً تِبْرًا بَيْضَاءَ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِضَّةً تِبْرًا سَوْدَاءَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ حَطٌّ لَا بَيْعٌ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْحَقِّ مُبْرِئًا عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ مِنْ الْأَلْفِ وَمُتَجَوِّزًا بِدُونِ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَضْرُوبَةٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَضْرُوبَ أَجْوَدُ مِنْ التِّبْرِ فَتُمْكِنُ بَيْنَهُمَا مُعَاوَضَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَبْرَأَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَأَجَّلَهُ فِيمَا بَقِيَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَقِيَ وَالْجَوْدَةُ الَّتِي شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ وَمُبَادَلَةُ الْجَوْدَةِ فِي الْأَجَلِ وَالْقَدْرِ رِبًا.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ غَلَّةً فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَخِّيَّةٍ حَالَّةٍ، فَإِنْ قَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ؛ لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الْبَخِّيَّةِ بِالْغَلَّةِ صَرْفٌ، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ، وَإِنْ جَعَلَا لَهَا أَجَلًا بَطَلَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ بَخِّيَّةٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ إذَا قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِهِ الْأُولَى، وَقَدْ بَرِئَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ هَذَا إبْرَاءً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَإِحْسَانًا مِنْ الْمَطْلُوبِ فِي قَضَاءِ مَا بَقِيَ، وَإِنَّمَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ الْإِحْسَانُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إنْ حَمَلَ هَذَا عَلَى مُبَادَلَةِ بَعْضِ الْقَدْرِ بِالْجَوْدَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى الْبَرَاءِ الْمُبْتَدَأِ صَحَّ وَمَقْصُودُهُمَا تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ يَتَعَيَّنُ الْوَجْهُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ مَقْصُودُهُمَا، وَإِذَا فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ الْخَمْسُمِائَةِ مِنْ دَرَاهِمِهِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ وَعَدَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا بَقِيَ أَجْوَدَ وَالْإِنْسَانُ مَنْدُوبٌ إلَى الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَمَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ حِينَ لَمْ تُمْكِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقَالَ الصُّلْحُ فَاسِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّهُمَا بَادَلَا صِفَةَ الْجَوْدَةِ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ بِبَعْضِ الْقَدْرِ وَهِيَ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَبْرَأَهُ عَنْهَا وَذَلِكَ رِبًا، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>