الصَّدَقَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى عَيْنِ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُتْلِفًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَيَضْمَنُهُ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: إنْ حَضَرَ الْمُصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْعَيْنِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اخْتَلَفُوا فِي زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالسَّاعِي مُجْتَهِدٌ فَإِنْ شَاءَ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ اعْتَمَدَ الْقِيَاسَ الظَّاهِرَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِ وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَقْلِ الْمَاشِيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ مَا نَقَلَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا يُخَيَّرْ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً بِالنَّقْلِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ النَّقْلِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ النَّقْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُشْرِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ إذَا بَاعَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الْمُصَدِّقُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِنْ الْعَيْنِ تَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا نَقَلَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَنْقُلْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عُشْرُ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمِلْكِ فِيهِ وَفِي الزَّكَاةِ الْوُجُوبُ عَلَى الْمَالِكِ حَتَّى لَا تَجِبَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَالِكِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا
(قَالَ) وَإِذَا نَفَقَتْ السَّائِمَةُ كُلُّهَا بَعْدَ حَوْلِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ هَلَكَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ ضَمِنَ صَاحِبُهَا الزَّكَاةَ، فَأَمَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَهُ قَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ قَالَ فِي كِتَابِ الْأُمِّ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِثَلَاثِ شَرَائِطَ كَمَالِ النِّصَابِ وَحَوْلَانِ الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: التَّمَكُّنُ شَرْطُ الضَّمَانِ لَا شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ بَلَدِهِ، ثُمَّ هَلَكَ مَالُهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُطَالَبٌ شَرْعًا بِالْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ صَارَ ضَامِنًا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا طَالَبَهُ الْفَقِيرُ بِالْأَدَاءِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ لِلْفَقِيرِ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ وُجُوبِ الطَّلَبِ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ صَارَ ضَامِنًا.
(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّ مَحِلَّ الزَّكَاةِ هُوَ النِّصَابُ وَالْحَقُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ مَحِلِّهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute