للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ الْمَدْيُونِ إذَا مَاتَ وَالشِّقْصِ الَّذِي فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا صَارَ بَحْرًا بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِتَفْوِيتِ مِلْكٍ أَوْ يَدٍ كَسَائِرِ الضَّمَانَاتِ وَهُوَ بِهَذَا التَّأْخِيرِ مَا فَوَّتَ عَلَى الْفَقِيرِ يَدًا وَلَا مِلْكًا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لَهُ شَرْعًا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ، فَإِنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ هُنَاكَ ذِمَّتُهُ لَا مَالُهُ وَذِمَّتُهُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَبَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ اسْتَحَقَّ الْمُوَاسَاةَ مَعَهُمْ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَاسِيَ غَيْرَهُ وَالْوَاجِبُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ مُلْحِقًا الضَّرَرَ بِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِالْمَالِ النَّامِي حَتَّى يَنْجَبِرَ بِالنَّمَاءِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْخُسْرَانِ بِالْأَدَاءِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ فَلَوْ اسْتَوْفَى كَانَ الْمُسْتَوْفِي غَيْرَ مَا وَجَبَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ الْمَالَ هُنَاكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا شَرْطُ الْأَدَاءِ فَإِذَا تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَسْقُطْ بِهَلَاكِ مَالِهِ. أَمَّا إذَا طَالَبَهُ الْفَقِيرُ فَهَذَا الْفَقِيرُ مَا تَعَيَّنَ مُسْتَحِقًّا لَهُ وَلَهُ رَأْيٌ فِي الصَّرْفِ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ، فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ فَالْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُونَ: يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَخْذِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ طَلَبِهِ وَبِالِامْتِنَاعِ يَصِيرُ مُفَوِّتًا، وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُونَ: لَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا حَبَسَهَا بَعْدَ مَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهَذَا الْحَبْسِ أَنَّهُ يَمْنَعُهَا الْعَلَفَ وَالْمَاءَ، فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ وَبِهِ يَصِيرُ ضَامِنًا إنَّمَا مُرَادُهُ بِهَذَا الْحَبْسُ بَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ مَا فَوَّتَ بِهَذَا الْحَبْسِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَلَهُ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ إنْ شَاءَ مِنْ السَّائِمَةِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّمَا حَبَسَ السَّائِمَةَ لِيُؤَدِّيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا، فَإِنْ هَلَكَ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي حِصَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ عَلَى النِّصَابِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ النِّصَابُ كُلُّهُ سَقَطَ جَمِيعُ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ الْبَعْضُ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ مَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِلْكُ الْمَالِ جَعَلْتُمُوهُ شَرْطَ الْأَدَاءِ، فَكَذَلِكَ كَمَالُ النِّصَابِ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ شَرْطَ الْأَدَاءِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ أَدَاءُ شَيْءٍ إذَا انْتَقَصَ النِّصَابُ قُلْنَا كَمَالُ النِّصَابِ لَيْسَ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِحُصُولِ الْغِنَى لِلْمَالِكِ بِهِ وَغِنَى الْمَالِكِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْغِنَى لَيْسَ شَرْطًا لِتَحَقُّقِ أَدَاءِ الصَّدَقَةِ

(قَالَ) وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُشْتَمِلًا عَلَى النِّصَابِ وَالْوَقَصِ فَهَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>