للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِبْرَاءُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُلَاقِي مَحَلًّا هُوَ حَقُّهُ.

وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَنَقَدَ هَذَا مِنْ عِنْدِهِ خَمْسَةً، وَهَذَا مِنْ عِنْدِهِ خَمْسَةً، وَلَمْ يَخْلِطَا الْعَشَرَةَ، ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَأْسِ مَالِهِ وَأَخَذَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يُشْرِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ أَصْلَ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي نَقَدَاهُ مُخْتَلِطًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ جَوَابُهُمَا هُنَا كَجَوَابِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ لَهُمَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا إنَّ وُجُوبَ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَقْدِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ كَشَطْرِ الْعِلَّةِ - الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ. وَعَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا إنَّ تَجْوِيزَ صُلْحِ أَحَدِهِمَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ رَبِّ السَّلَمِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَتَقَرَّرُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ يَعُودُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ مُشَارَكَةِ السَّاكِتِ مَعَ الْمُصَالِحِ فِي الْمَقْبُوضِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ هُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِيمَا نَقَدَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبَضَ شَيْئًا مِنْ السَّلَمِ شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَعَامَ السَّلَمِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْعَقْدُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُشَارِكُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يَقْبِضُ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ.

وَإِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيَّانِ إلَى ذِمِّيٍّ فِي خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ حِصَّتُهُ مِنْ السَّلَمِ وَرَجَعَ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ قَبْضِ الْخَمْرِ بِحُكْمِ السَّلَمِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْخَمْرَ لَوْ كَانَتْ مَبِيعًا عَيْنًا بَطَلَ الْعَقْدُ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ دَيْنًا أَوْلَى، فَإِنْ صَالَحَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ أَوْ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّلَمِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِنَّمَا عَادَ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ صِحَّةِ السَّلَمِ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ بِالْإِقَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَجُوزُ.

وَلَوْ تَوِيَ لِنَصْرَانِيٍّ مَالٌ مِنْ هَذَا السَّلَمِ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُسْلِمَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ عَادَ إلَى أَحَدِهِمَا بِصِفَةٍ بِطَرِيقٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ فِي الْمَقْبُوضِ إذَا تَوِيَ مَالُهُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْمَقْبُوضِ لَهُ كَانَتْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْرِ لِلْآخَرِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا الْمَدْيُونَ عَلَى شَيْءٍ وَأَجَازَ الْآخَرُ اتِّبَاعَ الْمَدْيُونِ بِنَصِيبِهِ، ثُمَّ تَوِيَ مَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>