يُشَارِكَ صَاحِبَهُ فِيمَا قَبَضَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ هُنَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَذَّرَ بِالْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِخْلَافِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهَا قِيمَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ خَمْرًا إلَى نَصْرَانِيٍّ فِي حِنْطَةٍ وَقَبَضَ الْخَمْرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُنْتَقَضْ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ طَرَأَ بَعْدَ قَبْضِ الْحَرَامِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ قَبْضُ الْحِنْطَةِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ صَالَحَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا عَلَى رَأْسِ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ خَمْرٌ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ، وَلَا بِالْفَسْخِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ نَصْرَانِيًّا لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيًّا جَارِيَةً بِخَمْرٍ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ تَعَامَلَا لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِي السَّلَمِ إذَا صَالَحَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا كَمَا لَا يَتَمَلَّكُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ وَالْفَسْخِ لَا يَمْلِكُ قِيمَتَهَا، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَصْحِيحَ الْإِقَالَةِ عَلَى قِيمَتِهَا مُمْكِنٌ، وَإِنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَهُنَا يَتَعَذَّرُ تَصْحِيحُ الْإِقَالَةِ عَلَى قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ إلَى نَصْرَانِيٍّ خِنْزِيرًا فِي خَمْرٍ وَقَبَضَ الْخِنْزِيرَ وَاسْتَهْلَكَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا انْتَقَضَ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ حِينَ طَرَأَ الْإِسْلَامُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَحِينَ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ هُوَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمَا فَيُحَوَّلُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ إلَى قِيمَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حِينَ انْتَقَضَ بِهِ السَّلَمُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَ الْوَاجِبُ الرَّدَّ مِثْلَ تِلْكَ الْخَمْرِ وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ أَوْ قِيمَتَهَا بِالْإِقَالَةِ لِلْمُسْلِمِ.
وَإِذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالسَّلَمِ الطَّالِبَ مِنْ السَّلَمِ عَلَى ثَوْبٍ وَالسَّلَمُ حِنْطَةٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ بِهَذَا الصُّلْحِ يَصِيرُ مُمَلَّكًا الْحِنْطَةَ مِنْ الْكَفِيلِ بِالثَّوْبِ، وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ فَمِنْ غَيْرِهِ أَوْلَى، ثُمَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ عَلَى رَأْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute