للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِثْلَ الْفِضَّةِ بِطَرِيقِ الْجَوْدَةِ فِي الْإِسْقَاطِ لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ خَيْرًا مِنْهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْجَوْدَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بِمُقَابَلَةِ مَا أَسْقَطَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ رِبًا، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ لِإِنْسَانٍ وَالدَّرَاهِمُ لِآخَرَ فَصَالَحَاهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ صَالَحَاهُ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، لَمْ يَجُزْ، وَقَدْ غَلَطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَقَالُوا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ مُبْرِئًا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُمْكِنٌ كَمَا إذَا كَانَ الْمَالَانِ لِوَاحِدٍ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْمَالَيْنِ إذَا كَانَا لِاثْنَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَةِ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا، وَإِذَا جَعَلْنَا صَاحِبَ الدَّرَاهِمِ مُبْرِئًا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُزَاحِمَ صَاحِبَهُ بِمَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ مِنْ الْعَشَرَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الْمَالَيْنِ ابْتِدَاءً وَبِاعْتِبَارِهِ يَظْهَرُ الرِّبَا، وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالَانِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِهَذَا صَحَّ الصُّلْحُ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ.

وَلَوْ غَصَبَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى نِصْفِ كُرِّ حِنْطَةٍ وَالْمَغْصُوبُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى نِصْفِ الْكُرِّ الْمَغْصُوبِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَاسْتَفْضَلَ الثَّانِيَ غَيْرَ أَنَّ طَعَامَ الْغَصْبِ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِمَا حِينَ اصْطَلَحَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ حِينَ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِمَا، فَإِنَّا نُجْبِرُ الْغَاصِبَ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ فِي الْحَالِّ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُرُّ دَيْنًا فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِهِ، وَمَا اسْتَفْضَلَ الْغَاصِبُ وَاجِبٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مِلْكِهِ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ الْغَاصِبُ حَقِيقَةً بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَبِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَجَمِيعِ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي ذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ.

وَلَوْ غَصَبَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخْفَاهَا وَغَيَّبَهَا عَنْهُ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ أَعْطَاهَا إيَّاهُ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْمِلْكِ، وَفِي الْبَعْضِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَالرَّدِّ كَالْحِنْطَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ يَرَاهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَالْغَاصِبُ مُنْكِرٌ لِلْغَصْبِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ بِإِنْكَارِهِ الْغَصْبَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ وَالشَّرْعُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَخْذُ عَيْنِهِ فِي الْحُكْمِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَهْلَكِ، فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَلِهَذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ فِي الْحُكْمِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَالْمُنْكِرُ آثِمٌ فِي الْإِنْكَارِ وَالْغَصْبِ.

فَإِنْ وَجَدَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيِّنَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>