عَلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ قَضَيْتُ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ وَزَالَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَتَصْحِيحُ الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَهْلَكِ لَا فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا قَبَضَهُ وَلَكِنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ مَعَ الْغَاصِبِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي دَارِ دَعْوَى مِيرَاثًا عَنْ أَبِيهِمَا فَصَالَحَ رَبُّ الدَّارِ أَحَدَهُمَا عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ فِيهِ إنْ كَانَ الْمُصَالِحُ مُنْكِرًا أَوْ مُقِرًّا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُهُمَا وَأَنَّ الْبَائِعَ لِنَصِيبِهِ وَتَصَادُقَهُمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّهِمَا.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ وَالصُّلْحُ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَكَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْجِنْسِ وَالْمُقَيَّدِ بِعَدَمِ الرِّضَا فِي الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فَهَدَّدُوهُ وَشَهَرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ حَتَّى صَالَحَ رَجُلًا عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ فَهَذَا الصُّلْحُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُلْطَانٍ، وَالْإِكْرَاهُ عِنْدَهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا شَهَرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ وَإِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَائِفًا التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَالسِّلَاحَ مِمَّا لَا يَلْبَثُ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يُشْهِرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ وَضَرَبُوهُ وَتَوَعَّدُوهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغِيثُ بِالنَّاسِ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا عَلَى أَحَدٍ فَالضَّرْبُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ مِمَّا لَا يَلْبَثُ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرِ السَّفَرِ أَوْ دَارًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ اللُّبْثَ بَعِيدٌ فَصَارَ خَائِفًا التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي بُسْتَانٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى النَّاسِ فَهُوَ وَالْمُنَادَاةُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْغَوْثُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي أَكْرَهَ فِي ذَلِكَ انْتِصَافَهُ فِي الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ بِسُلْطَانٍ، فَلَا مُعْتَبَرَ بِإِكْرَاهِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا الْمُعْتَبَرُ خَوْفُهُمَا التَّلَفَ كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ: وَلَوْ تَوَعَّدَهَا بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا أَوْ بِالتَّسَرِّي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ مَا هَدَّدَهَا بِفِعْلٍ مُتْلِفٍ أَوْ مُؤْلِمٍ بَدَنَهَا إنَّمَا يَغُمُّهَا بِذَلِكَ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَتَحَقَّقُ.
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي رَجُلَيْنِ فَأَكْرَهَ السُّلْطَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى صُلْحِ أَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ مَعَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الصُّلْحِ مَعَهُ وَجَازَ مَعَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ الصُّلْحَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً، وَهُوَ رَاضٍ بِالصُّلْحِ مَعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ رَاضٍ بِهِ مَعَ الْآخَرِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْبَرَهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute