مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ، وَعِنْدَ شُرَيْحٍ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) هُوَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ، فَإِنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَفِي إحْدَى رِوَايَتَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ هَذَا بَيَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الرَّهْنِ، إلَى أَنْ أَحْدَثَ الشَّافِعِيُّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ، وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ " لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ أَيْ: مِنْ ضَمَانِ رَاهِنِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " أَيْ: عَلَيْهِ هَلَاكُهُ، فَالْغُرْمُ: عِبَارَةٌ عَنْ الْهَلَاكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: إنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: ٦٦] أَيْ: هَلَكَتْ عَلَيْنَا أَمْوَالُنَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَبِهَلَاكِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَمَوْتِ الشُّهُودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ فَلَوْ قُلْنَا: بِأَنَّهُ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهَلَاكِهِ كَانَ ضِدَّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بِهِ يَصِيرُ بِعُرْضَةِ الْهَلَاكِ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ - مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ - أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَمَا هُوَ مُوجَبُ الرَّهْنُ، وَهُوَ الْحَبْسُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الضَّمَانِ بِهَذَا الْقَبْضِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ تَهْلِكُ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَكَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ وَضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ، وَالدَّيْنِ جَمِيعًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْضَ ضَمَانٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْغَاصِبِ، وَعِنْدَكُمْ إذَا اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الرَّاهِنِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَكَانَ قَبْضُهُ عَنْ الشِّرَاءِ كَقَبْضِ الْغَاصِبِ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَكُمْ كَرَهْنِ الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ الضَّمَانُ، كَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ الْفَسْخِ مَحْبُوسٌ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْآجِرُ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إذَا هَلَكَ، وَكَذَلِكَ زَوَائِدُ الرَّهْنِ عِنْدَكُمْ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ إجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ (- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute