فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ، وَالضَّمَانَ فَكَذَا فِيهَا أَيْضًا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
(- رَحِمَهُ اللَّهُ -) اسْتِيفَاءُ الْمُسْتَوْفَى يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَوْفِي، وَلَهُ عَلَى الْمُوفِي مِثْلُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ رَهْنًا، وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَدِ فَإِذَا هَلَكَ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، وَكَانَ الرَّاهِنُ جَعَلَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ فِي وِعَاءٍ وَسَلَّمَهُ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَعِنْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِهِ يَتِمُّ اسْتِيفَاؤُهُ فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْفَضْلُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَعَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ، وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْهُ عَشَرَةَ فَيَكُونَ أَمِينًا فِي الزِّيَادَةِ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَحْصُلُ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ دُونَ الْعَيْنِ، وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْعَيْنِ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا، وَالْمُرْتَهِنُ عِنْدَنَا مُسْتَوْفٍ لَا مُسْتَبْدِلٌ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ بِحَبْسِ الْحَقِّ، وَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَكَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ كَالْكِيسِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اتَّضَحَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ يَتَحَقَّقُ إذَا صَارَ الْمُرْتَهِنُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ قُلْنَا يَتْوَى بَيْنَهُ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَيْسَ مَأْتُوًّا لِلْحَقِّ، ثُمَّ مُوجَبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِيهِ مَعْنَى الصِّيَانَةِ
، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ فَرَاغُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ، وَتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَثِيقَةً لِصِيَانَةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِصِيَانَةِ حَقِّ الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَبِهِ لَا يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالْعَارِيَّةِ مَنْفَعَةُ الْمُسْتَعِيرِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ حُصُولِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مَحْضَ مَنْفَعَةٍ لَهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَوْتَ الشُّهُودِ، وَهَلَاكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ إذَا تَمَّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الصَّكِّ وَالشُّهُودِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَاقَى الْعَيْنَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَيْنَ فِي حُكْمِ الْأَمَانَةِ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ دُونَ قَبْضِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، فَالرَّاهِنُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ مِنْهُ حَيْثُ إنَّهُ يَصِيرُ مُوفِيًا ذِمَّتَهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِهَذَا تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَجَّرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِيَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلِأَنَّهَا هِيَ الْيَدُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا قَبَضَ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِاسْتِيفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute