للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُجْرَةِ مِنْ الْمَالِيَّةِ؛ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا مَضْمُونٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَهَنَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ، وَهُوَ رَهْنٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْمَرْهُونَ بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ، وَلَا عَقْدَ هُنَاكَ فَاسِدًا، وَلَا جَائِزًا لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ رَهْنُ الْمُشَاعِ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي هِيَ مُوجَبُ الرَّهْنِ لَا تَثْبُتُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا فَأَمَّا شُرَيْحٌ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَكَانَ يَقِيسُ الْمَرْهُونَ بِالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَالٌ غَيْرُ مَحْبُوسٍ بِدَيْنٍ، هُوَ مَالٌ فَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ، فَكَذَلِكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ وَلِأَنَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّهُ لَا إلَى غَايَةٍ، وَلَوْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ إلَى غَايَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُحْضِرْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ لَا إلَى غَايَةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا حَقَّقْنَا تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ سُقُوطَ الثَّمَنِ هُنَاكَ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَبِهَلَاكِ جَمِيعِ الْعُقُودِ عَلَيْهِ يَنْفَسِخُ جَمِيعُ الْعَقْدِ، وَهُنَا سُقُوطُ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَاسْتِيفَاءُ الْعَشَرَةِ مِنْ خَمْسَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ، فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ

قَالَ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ عَيْنًا.

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ، وَهُوَ، وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَذَلِكَ يَلْزَمُ بِالْقَبُولِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فَقَدْ، وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّهْنَ بِالْقَبْضِ فَيُنْتَقَضُ أَنْ يَكُونَ هَذَا، وَصْفًا لَازِمًا لَا يُفَارِقُهُ الرَّهْنُ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِيفَاءِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَكَذَلِكَ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْمَقْصُودُ: إلْجَاءُ الرَّاهِنِ حَيَاتَهُ لِيُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِثُبُوتِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ، وَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا: ثُبُوتُ حَيَاةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ لِمُزَاحَمَةِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ: الْقَبْضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ثَبَتَ بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، فَكَمَا أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ النَّقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَرْهُونُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ الْقَبْضُ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>