فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -)، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ نُكُولُهُ فِي الْبَيْعِ فَالْعَدْلُ مِثْلُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى هَذَا الْإِقْرَارِ، فَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ السُّكُوتِ لِيَجْعَلَهُ الْقَاضِي مُنْكَرًا، وَيَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ رَدَّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ مِنْهُ، وَبَيْعُ الرَّهْنِ ثَابِتٌ، وَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنُ مِنْ وَضْعِهِ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَ الْعَدْلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَهُوَ فِي حَقِّهِمَا كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَالَهُ الْبَيْعَ، أَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ لَزِمَ ذَلِكَ الْعَدْلُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ كَشِرَاءٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْبُيُوعِ إلَى الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ، وَغَيْرَ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا، وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبُيُوعِ، وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ هُنَا.
وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ ثُمَّ، وَهَبَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَهُوَ خَاصَّةٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ قَبَضْتُهُ فَهَلَكَ عِنْدِي كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ الْمَالِ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ، وَمَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ كَالْمُعَايَنِ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَهِنِ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ فَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا تَقُولُ بِإِقْرَارِ الْعَدْلِ يَثْبُتُ وُصُولُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي وُصُولِ الْمَالِ إلَى الْقَرِيبِ، كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمُودَعَ أَنْ يَقْضِيَ الْوَدِيعَةِ دَيْنَهُ وَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ، وَقَدْ تَوَى بَعْدَ إقْرَارِ الْعَدْلِ بِمَا قَالَ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِهِ
وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ، وَهَبَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ مِلْكِ الرَّاهِنِ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَتَصَرُّفُ الْعَدْلِ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ بَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ: حَطَطْتُ عَنْكَ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا أَوْ قَالَ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا، وَكَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ)؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَطَّ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ عَلَيْهِ، وَصَارَ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ إذَا، حَطَّ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ مَالِهِ، وَالْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّ غَيْرِهِ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ فَهَاهُنَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ بِالْعَقْدِ يَجِبُ لِلْوَكِيلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute