للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى فَصْلِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ، وَهَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَى النَّفْيِ، وَلَا بِلَفْظِ النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ فَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فِي تَرْجِيحِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِيمَا سَبَقَ.

وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَدْلُ ثُمَّ بَاعَ الرَّهْنَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ بَيْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَرِدَّتُهُ لَا تُنَافِي ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ فَلَا يُنَافَى الْبَقَاءُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا لَا يُجَوِّزُ أَبُو حَنِيفَةَ تَصَرُّفَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ تَصَرُّفِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلرَّهْنِ وَخَلَفَ وَارِثَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِبَيْعِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ، فَذَلِكَ أَجْوَزُ لِبَيْعِهِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَحَاقُهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ، وَلِهَذَا يَقْسِمُ الْقَاضِي مِيرَاثَهُ فَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَقَدْ نُصَّ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فِي الْوَكِيلِ إذَا ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقِيلَ: حُكْمُ الْعَدْلِ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَأَبُو يُوسُفَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ رِدَّتُهُ وَلَحَاقُهُ مُوجَبُ عَزْلِهِ، بِمَنْزِلَةِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ وَعَزْلِهِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْعَدْلِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَكَذَلِكَ يَبْقَى حُكْمُ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ لَحَاقِهِ فَإِذَا رَجَعَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ لِكَوْنِهَا فِي ضِمْنِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّاهِنُ، وَالْمُرْتَهِنُ فَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قُتِلَا عَلَى الرِّدَّةِ ثُمَّ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُمَا كَمَوْتِهِمَا، وَالْقَتْلُ مَوْتٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَوْتَهُمَا لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَلَا حُكْمَ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ هُنَا.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ يَدٍ مُوجَبَةٍ لِتَتْمِيمِ الْعَقْدِ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ مَعَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مَعَ غَيْرِهِ، قُلْنَا: يَتِمُّ الْعَقْدُ بِيَدِهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، كَمَا فِي الْحُرِّ فَإِنْ وَضَعًا عَلَى يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْعَبْدِ، يَكُونُ آدَمِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ مُخَاطِبًا بِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْإِذْنِ فِيمَا يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى بِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى فِي جَعْلِ يَدِ الْعَبْدِ نَائِبَةً عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَكِنَّ عُهْدَةَ الْبَيْعِ لَا تَكُونُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتْوِي مَالِيَّتَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ عَلَى الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَى الْعَاقِدِ تَعَلَّقَتْ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ الَّذِي يَعْقِلُ إذَا جُعِلَ عَدْلًا فَهُوَ وَالْعَدْلُ الْعَبْدُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ أَبُوهُ أَذِنَ لَهُ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ أَذِنَ لَهُ فَاسْتَحَقَّ الْبَيْعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>