فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الَّذِي قَبَضَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْعَقْدِ حِينَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لَهُ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بَيْعُهُ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَهَبَ عَقْلُ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَمَّا إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ، فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ، وَنَفَذَ الْبَيْعُ فَقِيَاسُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ: لَمَّا وَكَّلَهُ وَهُوَ صَحِيحُ الْعَقْلِ، فَهُوَ مَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ رَأْيٍ كَامِلٍ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِجُنُونِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ وَكَّلَهُ، وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِبَيْعِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الرَّأْيِ فَيَكُونُ هُوَ فِي الْبَيْعِ مُمْتَثِلًا أَمَرَهُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ، وَالتَّسْلِيطِ بَاقٍ بَعْدَ ذَهَابِ عَقْلِهِ، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الرَّاهِنِ بِعَارِضٍ، وَذَلِكَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ كَبِيرًا لَا يَعْقِلُ فَجُعِلَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَكُنْ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْيَدِ إذْ هُوَ مُمَيَّزٌ، وَقَبْضُ مِثْلِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَبْضِ لَا يَحْصُلُ بِقَبْضِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَتْمِيمُ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ قَبْضِهِ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَبِرَ، وَعَقَلَ، وَبَاعَ الرَّهْنَ جَازَ الْبَيْعُ لِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ إيَّاهُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْفَرِدُ بِالتَّوْكِيلِ، وَنُفُوذُ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ يَعْتَمِدُ عِلْمُهُ بِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ مَا عَقَلَ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ نُفُوذُ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْلِيطِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَ غَائِبًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَلَغَهُ وَبَاعَهُ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ كَانَ لَغْوًا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يَنْعَدِمُ بِحُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَهُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ، وَعِلْمُهُ بِهِ شَرْطٌ، فَإِذَا وُجِدَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ.
وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا، وَالرَّاهِنُ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَنْفُذَ بَيْعُهُ بِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ، كَمَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، فَإِنْ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ بِالدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ، وَهُوَ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِحَاجَتِهِ فِي الرُّجُوعِ إلَى أَمَانٍ جَدِيدٍ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ فَإِنْ رَجَعَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُرْتَهِنِ اللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ الرَّاجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، هُوَ: الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ، أَوْ الْعَدْلُ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ مُقِيمٌ فِي دَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute