للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِبَيْعِهِ فِي دَيْنِهِ فِي الْمَالِ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَا يَمْنَعُهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) فِي الْإِجَارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ،

وَكَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِي، وَطْءِ الرَّاهِنِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَلَا يُمْنَعُ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُمْنَعُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِلْإِبْطَالِ بِأَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ فَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَفِي (الِانْتِفَاعِ) لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى، وَحُجَّتُنَا: الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا فِي حَالِ مَا يَكُونُ مَرْهُونًا، وَهُوَ مَرْهُونٌ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ الرَّاهِنُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا لَهُ، وَانْتِفَاعُ الرَّاهِنِ يُعْدِمُ هَذَا الْوَصْفَ.

وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ هُنَا لِلْمُرْتَهِنِ، وَأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْيَدِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالرَّاهِنُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يُحَوِّلْهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَى يَدِهِ، وَفِيهِ تَفْوِيتُ مُوجِبِ الْعَقْدِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ حَالًّا كَانَ الرَّاهِنُ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا (وَفَصْلُ الْبَيْعِ) دَلِيلُنَا: أَنَّ هُنَاكَ مَتَى ثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ كَانَ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ هُنَاكَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَهُنَا أَيْضًا مَتَى ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا حَتَّى إنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِ الِانْتِفَاعِ، وَفِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهِ، وَبِهَذَا الْكَلَامِ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ مُبْطِلٌ لَا يَدُلُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَبِأَنَّهُ كَانَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ إذَا حَصَلَ تَسْلِيطُهُ، فَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، كَمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَكَمَا فِي الْوَطْءِ، وَتَوَهُّمُ الْعُلُوقِ بِالْوَطْءِ مَوْهُومٌ، وَلَمَّا بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَوْهُومِ، وَمِثْلِهِ يَتَحَقَّقُ هُنَا، فَإِنَّهُ يُتَوَهَّمُ الْهَلَاكُ فِي حَالَةِ الرُّكُوبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى تَسْيِيبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ إضْجَارُ الرَّاهِنِ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَلَنَا أَنْ نَقُولَ: " الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ، وَمَرْكُوبٌ ".

عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَحْلُوبٌ، وَمَرْكُوبٌ لِلْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَلِلرَّاهِنِ بِإِذْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>