الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا، وَلَوْ ثَبَتَ، فَالْمُرَادُ انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الدَّرَّ يُحْلَبُ، وَظَهْرُهُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَالنَّفَقَةُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ تَكُونُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَهَذَا حُكْمٌ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَنْتَفِعُ بِالرَّهْنِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ، بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنْ آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَثْبُت لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ إيجَابِ الْمَنْفَعَةِ لِلْغَيْرِ إلَّا أَنَّ الْأَجْرَ، وَجَبَ لِعَقْدِهِ، فَيَكُونُ لَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا يَعُودُ فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَالْغَلَّةُ لِلرَّاهِنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): " هِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا، وَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ قَضَاءٌ مِنْ حَقِّهَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُلَاقِي الْمَحِلَّ الَّذِي لَاقَاهُ عَقْدُ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْيَدِ إلَّا أَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ فِي الْإِجَارَةِ شَرْطٌ يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَالِكُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِجَارَةُ الْمُرْتَهِنِ، وَإِجَارَةُ الرَّاهِنِ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ عَلَى مَعْنَى: أَنَّ الْأَجْرَ لِلرَّاهِنِ، وَأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدَيْنِ مَا اجْتَمَعَا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: عَقْدُ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعَيْنِ، وَذَلِكَ يُنَافِي مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ، فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ، كَالْبَيْعِ إذَا نَفَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَتَخْرُجُ الْعَيْنُ مِنْ الرَّهْنِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا خَرَجَ الرَّهْنُ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَبِهِ فَارَقَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ بَدَلُ مَا ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيُحَوَّلُ حَقُّهُ إلَيْهِ.
فَإِنْ رَكِبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّابَّةَ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ سَيْفًا فَتَقَلَّدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَكُونُ كَالْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَلَّدَ السَّيْفَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ سَيْفَيْنِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ حِفْظًا، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا فِي (كِتَابِ اللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ) فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ التَّعَدِّي، وَهُوَ فِي الِانْتِفَاعِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، فَإِذَا نَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ، وَنَزَعَ الثَّوْبَ، وَكَفَّ عَنْ الْخِدْمَةِ، فَهِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا إنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ بِإِذْنِهِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ، كَاسْتِعْمَالِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ الرَّاهِنُ فَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ، وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute