للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْبِنَاءُ، وَهُنَاكَ عِنْدَ الْقَبْضِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْمُسْتَوْفَى سَقَطَ حَقُّهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهُنَا عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ هُوَ عَالِمٌ بِرَدَاءَةِ الْمَقْبُوضِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنْ عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَهْلَكُ فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهِ حَقَّهُ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ هُنَا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فَبِمُجَرَّدِ قَبْضِ الرَّهْنِ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عِنْدَ الْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْقُلْبُ هُنَا ضَمَّنَهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فَظَاهِرٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَالَةُ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي حَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ: الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا.

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنَّهُ إنْ هَلَكَ الْقُلْبُ سَقَطَ الدَّيْنُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَزْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَفِي الْقِيمَةِ كَذَلِكَ، وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الدَّيْنِ كَزِيَادَةِ الْوَزْنِ فَيُلْغَى؛ فَتَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمَانَةً، وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ.

وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ: أَنَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِجَمِيعِ الْقُلْبِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ: أَنَّ الْجَوْدَةَ لَا تُفْصَلُ عَنْ الْأَصْلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَفِي هَذَا إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ عَنْ الْجَوْدَةِ، فَكَمَا يُرَاعَى حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ، فَكَذَلِكَ يُرَاعَى حَقُّ الرَّاهِنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِمَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْ الْقُلْبِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ؛ لِأَنَّ وَزْنَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ، وَاسْتِيفَاءُ الْعَشَرَةِ بِثَمَانِيَةٍ وَثُلُثٍ يَكُونُ رِبًا، فَإِذَا تَغَيَّرَ الِاسْتِيفَاءُ قُلْنَا: يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ زِيَادَةَ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ أَعْلَى مِنْ زِيَادَةِ الْوَزْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ آمِنٌ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَهَلَاكُهَا فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الرَّاهِنِ.

وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوَزْنُ، وَالصِّيغَةُ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ، وَلَيْسَ لِلْوَزْنِ هُنَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ، فَكَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ، كَثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْأَصْلِ كُلِّهِ مَضْمُونًا، أَنْ تَكُونَ الْجَوْدَةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) مِثْلَ هَذِهِ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ، وَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>