وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارَنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الضَّمَانَ، وَالْأَمَانَ تَبَعٌ فِي الْوَزْنِ، وَالْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ، وَالصَّنْعَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْقُلْبِ فِي الْقُلْبِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قُلْبَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ، وَزْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَيُجْعَلُ مُحَابَاتُهُ بِالْجَوْدَةِ، وَالصَّنْعَةِ كَمُحَابَاتِهِ بِالْوَزْنِ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ الصَّنْعَةِ، وَالْجَوْدَةِ يَصِيرُ الْغَاصِبُ ضَامِنًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا قُلْنَا: خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِجُودَتِهِ وَصَنْعَتِهِ، وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ فَالتَّغَيُّرُ بِالِانْكِسَارِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ مُعْتَبَرٌ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِهَذِهِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ اُنْتُقِصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَجُبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ، وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَوْدَةَ، وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ، وَأَنَّ الْأَمَانَةَ فِي الْمَرْهُونِ كَذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ، وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ، وَهَذِهِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَرَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ: أَنَّهَا مَالٌ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَانَةُ هُنَا فِي الصَّنْعَةِ، وَالْجَوْدَةِ قُلْنَا: إذَا لَمْ تُنْقَصْ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ، فَالثَّابِتُ مَا كَانَ أَمَانَةً فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ، وَإِنْ اُنْتُقِصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْمَضْمُونِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ: عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ، كَمَا بَيَّنَّا، وَسِوَى هَذَا فَصْلَانِ آخَرَانِ، يَنْقَسِمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا أَنْشَأَهُ مِنْ (شَرْحِ الزِّيَادَاتِ)، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا.
وَلَوْ ارْتَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَانْكَسَرَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنُهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، كَمَا قَالَ: فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَالْقِيمَةُ مِثْلُ الْوَزْنِ، وَقِيلَ يُؤَوَّلُ مَا ذُكِرَ: أَنَّ قِيمَتَهُ بِدُونِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْوَزْنِ، وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالضَّمَانِ عُشْرَ الْمَكْسُورِ، فَيَضْمَنُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَإِذَا مَلَكَ عُشْرَ الْإِبْرِيقِ، فَالضَّمَانُ بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْبَيْعِ، وَيَكُونُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي عَزَلَهُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute