نُسَخِ ابْنِ حَفْصٍ: أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ: فَالرَّاهِنُ يَجْعَلُ عُشْرَ الْمَكْسُورِ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَيْنِهِ، وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِعُشْرِ الْإِبْرِيقِ، وَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِرْهَمٍ، فَكَسَرَ رَجُلٌ الْقُلْبَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَكَانَ رَهْنًا، وَالْقُلْبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ فَاتَ إلَى بَدَلٍ، فَيَقُومُ الْبَدَلُ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَيَبْقَى - بِاعْتِبَارِهِ - جَمِيعُ الدَّيْنِ فَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ، وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقُلْبَ، وَرَضِيَا أَنْ يَكُونَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَهُوَ مَكْسُورٌ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْفَائِتَ بِالْكَسْرِ الصَّنْعَةُ، وَهِيَ لَا تَتَقَوَّمُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، وَكَمَا لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْكَاسِرِ؛ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الرَّاهِنِ بِهِ حِينَ الِانْكِسَارِ، فَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (فِي الْكِتَابِ) ذُكِرَا بِأَيِّهِمَا جَمِيعًا، وَالْمُعْتَبَرُ إبَاءُ الرَّاهِنِ خَاصَّةً.
وَلَوْ ارْتَهَنَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِيضًا صَرْفًا بِعَشَرَةٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِالسُّودِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالرَّهْنِ، إذْ فِي الْوَزْنِ، وَالْجَوْدَةِ، وَفَاءٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَزِيَادَةٌ فَيُجْعَلُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ بَيْضَاءَ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ سَوْدَاءَ فَهَلَكَتْ، فَالْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفٍ لِجَمِيعِ دَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الرَّاهِنِ، وَكَانَ رَهْنًا، فَالدَّيْنُ، وَالْقُلْبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّ الْمَكْسُورَ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ مِنْ الْقُلْبِ ذَهَبًا بِقَدْرِ قِيمَةِ فِضَّةِ الْمُرْتَهِنِ السَّوْدَاءِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقُلْبِ لِلرَّاهِنِ، يُقْسَمُ ذَلِكَ فَيُجْمَعُ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَيَكُونُ رَهْنًا، وَهَذِهِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، فَانْكَسَرَ وَقِيمَتُهُ، وَالدِّينَارُ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُقَوِّمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، فَيَكُونُ رَهْنًا بِالدِّينَارِ، وَالْقُلْبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَزْنِ الْقُلْبِ فَضْلٌ عَلَى مَالِيَّةِ الدَّيْنِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) حَالُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ، فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ هَلَكَ هُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِالْعَشَرَةِ فَفِي مَالِيَّتِهِ، وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي حَالِ الِانْكِسَارِ أَخَصَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا، وَأَعْطَاهُ الدِّينَارَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْفِضَّةَ لَهُ بِالدِّينَارِ اعْتِبَارًا بِهَذَا الْحَالِ بِحَالِ الْهَلَاكِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ، سَلَمٌ أَوْ قَرْضٌ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ فِيمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute