الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ أُمِّ الْمَدْفُوعَةِ وَبِمَوْتِهَا كَانَ يَسْقُطُ جَمِيعُ الدَّيْنِ، فَلِذَلِكَ يَمُوتُ مَنْ قَامَ مَقَامَهَا، فَإِنْ فَقَأَتْ الْبِنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنَيْ الْأُمِّ فَدُفِعَتْ وَأُخِذَتْ الْأُمُّ عَمْيَاءَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ تَكُونَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْبِنْتِ الْمَدْفُوعَةِ، وَلَكِنَّا نَدَعُ الْقِيَاسَ وَنَجْعَلُ الرَّهْنَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَادَ إلَى حَالِهِ فَيَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ كَانَ فِي الْأُمِّ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ وَعَادَ إلَيْهَا الْمَالُ فَسَقَطَ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوَائِدِ وَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَرْهُونَةً إلَى الْآنَ، وَذَهَبَتْ عَيْنَاهَا وَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): فِي الْقِيَاسِ: يَتَحَوَّلُ إلَى الْأُمِّ مَا زَادَ عَلَى نُقْصَانِ عَيْنَيْ الْبِنْتِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَتَوَزَّعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ، وَعَلَى نُقْصَانِ عَيْنِهَا، فَتَسْقُطُ حِصَّةُ نُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ، وَتَكُونُ هِيَ مَرْهُونَةٌ بِمَا بَقِيَ.
وَإِذَا اسْتَعَارَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَلْفٌ فَرَهَنَهُمَا بِأَلْفٍ فَفَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ ثُمَّ إنَّ الْمَفْقُوءَةَ عَيْنُهُ فَقَأَ عَيْنَ الْفَاقِئِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَفْتَكُّ الْعَبْدَيْنِ بِتِسْعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ: حُكْمٍ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُرْتَهِنِ فِيمَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ وَمَا بَقِيَ، وَحُكْمٍ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرِينَ فِيمَا يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ عَلَيْهِ، وَحُكْمٍ بَيْنَ الْمُعِيرِينَ، أَمَّا الَّذِي بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُرْتَهِنِ فَيَقُولُ: رَهْنُ الْعَبْدَيْنِ مِنْهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَكَأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَلَى مِلْكِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَوَّلِ الْبَابِ: حِينَ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ تَحَوَّلَ إلَى الْفَاقِئِ مِثْلُهُ بِاعْتِبَارِ جِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ، فَصَارَ الْفَاقِئُ مَرْهُونًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَلَمَّا فَقَأَ الْآخَرُ عَيْنَهُ فَقَدْ فَاتَ نِصْفُهُ فَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ، وَنِصْفٌ، وَسَقَطَ نِصْفُ ثَلَثِمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ وَهُوَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَرُبْعٌ تَحَوَّلَ مِثْلُهُ إلَى الْفَاقِئِ فَكَانَ السَّاقِطُ مِنْ الدَّيْنِ مَرَّةً مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً مِائَةً وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ وَرُبْعًا، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ، وَرُبْعٌ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ سَبْعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَيَقْبَلُهُمَا بِهَذَا.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرِينَ فَهُوَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا صَارَ قَاضِيًا بِمِلْكِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ أَوَّلًا: مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَيَغْرَمُ لَهُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَيَمْلِكُ مَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ أَخِيرًا مِائَةً وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ وَرُبْعًا فَيَغْرَمُ لَهُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي بَيْنَ الْمُعِيرِينَ: فَإِنَّهُ يُجْبِرُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْفَاقِئِ أَوَّلًا بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ عَلَى عَبْدٍ غَيْرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ عَبْدِكَ أَوْ افْدِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَرْشِ عَيْنِ الْعَبْدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الرُّبْعِ مِنْ الْأَرْشِ قَدْ وَصَلَ إلَى مَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ، أَوَّلًا مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَلِهَذَا بَقِيَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute