الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنًا فَيَكُونُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَرِهَهُ بِيعَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ أَمَانَةٌ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ حِينَ أَبَى الْمَالِكُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ وَبَعْدَ بَيْعِهِ لَا يُمْكِنُ إيفَاءُ الرَّهْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِأَجْلِ الشُّيُوعِ، فَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ فِي الرَّهْنِ كَالْمُقَارَنِ وَفِي بَيْعِ الْكُلِّ جُمْلَةً تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا؛ فَلِهَذَا يُبَاعُ الْعَبْدُ كُلُّهُ وَيُقْضَى مِنْهُ ثُمُنُ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الثُّمُنِ شَيْءٌ أَخَذَ الرَّاهِنُ نِصْفَهُ وَالْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ قَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ نِصْفَ مَا بَقِيَ بَدَلُ الْأَمَانَةِ فَيُسَلَّمُ لِلرَّاهِنِ، وَنِصْفُهُ بَدَلُ الْمَضْمُونِ فِي الدَّيْنِ فَيَسْتَوْفِيهِ الْمُرْتَهِنُ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ تَاوٍ لِتَلَفِ الْمَالِيَّةِ بِفِعْلٍ بَاشَرَهُ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ.
وَإِذَا قَتَلَ الرَّهْنُ مَوْلَاهُ أَوْ الْمُرْتَهِنَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَمْدِ دَمُهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَمِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَإِذَا قُتِلَ قِصَاصًا سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَقَتَلَ الْمُرْتَهِنَ عَمْدًا، فَعَفَا أَحَدُ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ وَلِلَّذِي جَنَى: ادْفَعَا نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَوْ افْدِيَاهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْخِطَابُ بِالدَّفْعِ يَكُونُ مَعَ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّفْعِ إلَّا بِرِضَا الْعَافِي بِمَالِهِ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الرَّهْنِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: يُقَالُ لَهُمَا ادْفَعَا وَإِنَّمَا يَدْفَعَانِ نِصْفَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي نِصْفِ الْجِنَايَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَارَا الدَّفْعَ دُفِعَ جَمِيعُ الْعَبْدِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، فَكَذَلِكَ يُدْفَعُ إلَى أَحَدِ ابْنَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَبَطَلَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِدَفْعِ النِّصْفِ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ دَفَعَ جَمِيعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ هَذَا الْمَدْفُوعِ مِمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ، وَكَانَ لَهُمَا عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الدَّيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِأَجْلِ الشُّيُوعِ فَيَرْجِعَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ عَلَى الرَّاهِنِ رُبْعَ الدِّيَةِ: حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ أَمَانَةٌ وَعَلَى الْعَافِي عَنْ الدِّيَةِ: حِصَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِمَا: ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الدِّيَةِ، فَإِذَا فَدَيَاهُ بِذَلِكَ فَرَغَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَكَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ بِالدَّيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِأَلْفٍ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا، وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ الْبَاقِي، وَلِلَّذِي عَفَا: ادْفَعُوا نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ انْقَلَبَ مَالًا بِعَفْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute