للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً، وَاكْتَسَبَ عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ رَدَّهُ، وَرَدَّ الْمَالَ، وَدُفِعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَالْأَلْفُ الَّتِي اكْتَسَبَ الْعَبْدُ، أَوْ وَهَبَ لَهُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ، لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْعَيْنِ فَوُجُودَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَعَدَمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّهُ حِينَ دُفِعَ بِالْجِنَايَةِ، فَالرَّدُّ لَمْ يَصِحَّ، فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ عَبْدًا فَجَنَى الْعَبْدُ - الرَّهْنُ - عِنْدَهُ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ، فَذَلِكَ فِي عُنُقِ الْغَاصِبِ يُبَاعُ فِيهِ أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ فَالْمُسْتَحَقُّ بِهِ مَالِيَّتُهُ، فَيُبَعْ فِيهِ أَوْ يُفْدَى بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ، فَالْمُسْتَحَقُّ بِالْجِنَايَةِ نَفْسُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى (أَلَا تَرَى): أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ كَانَ حُرًّا كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِ حَالَّةً، وَلَوْ كَانَ سَبَبُهَا الْجِنَايَةَ، لَكَانَتْ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْغَاصِبُ يُسَاوِي: عِشْرِينَ أَلْفًا وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ يُسَاوِي: عِشْرِينَ أَلْفًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلَيْنِ فَدَفَعَ بِهِمَا لَمْ يَكُنْ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْغَاصِبِ إلَّا عَشَرَةُ آلَافٍ غَيْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُبَاعُ فِيهَا أَوْ يُفْدَى لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْغَاصِبَ قَدْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَّا أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَسْلَمْ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَجْلِ شَغْلِ الْجِنَايَةِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ جَمِيعًا، إلَّا أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ وَاجِبٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ غَصْبِهِ، فَيُبَاعُ فِيهِ أَوْ يُفْدَى فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّ وُجُوبَ هَذَا الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَوْلَا غَصْبُهُ مَا ضَمِنَ شَيْئًا بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وَلَوْلَا جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَهُ لَكَانَ رَدَّهُ تَامًّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَلِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَلِاعْتِبَارِ غَصْبِهِ يُبَاعُ فِيهِ أَوْ يُفْدَى، وَفِي حَقِّ مَنْ يَرْجِعُ، السَّبَبُ هُوَ: الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ يَدِهِ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً، وَفِي حَقِّ مَنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْغَاصِبُ؛ لِسَبَبِ غَصْبِهِ، فَيُبَاعُ فِيهِ.

وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً، ثُمَّ رَدَّهُ فَغَصَبَهُ آخَرُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ رَدَّهُ فَغَصَبَهُ آخَرُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً، ثُمَّ رَدَّهُ وَاخْتَارُوا دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ أَثْلَاثًا سَوَاءً، حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَاتِ فِي رَقَبَتِهِ بِالِاسْتِوَاءِ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ كَانَ مُسْتَحِقًّا جَمِيعَ نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى اُسْتُحِقَّ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْأَوَّلِ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، فَيَدْفَعُهَا الْمَوْلَى، وَالْمُرْتَهِنُ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>