أَيْضًا بِمِثْلِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ فَارِغًا وَمَا سَلَّمَ لَهُ إلَّا ثُلُثُهُ، فَيَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ، وَثُلُثُ الْعَبْدِ فَارِغٌ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ بِمِثْلِهِ، فَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي بِثُلُثِ قِيمَتِهِ، فَيَدْفَعُ نِصْفَ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ كَانَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِي فِي نِصْفِهِ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الثُّلُثَ، فَيَرْجِعُ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الثُّلُثِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ النِّصْفَ، ثُمَّ يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي بِذَلِكَ فَيُجْعَلُ فِي يَدِهِ ثُلُثُ الْقِيمَةِ مَعَ ثُلُثِ الْأَوَّلِ مَرْهُونًا وَيَكُونُ عَلَى الثَّالِثِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ مَشْغُولًا بِجِنَايَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ثُلُثَهُ، فَيَجْتَمِعُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قِيمَةٌ كَامِلَةٌ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ.
وَهَذَا التَّخْرِيجُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ): فَيُسْتَوْفَى مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ مِنْ ثُلُثِ الْقِيمَةِ وَلَا يُدْفَعُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بِبَدَلِ مَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَوْلَى، فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِهِ؟ وَبَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ: يَأْتِي فِي (كِتَابِ الدِّيَاتِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ وَاحِدًا، فَغُصِبَ ثُمَّ رُدَّ أَوْ كَانَ جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَاتِ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُرَدَّ، فَالتَّخْرِيجُ مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ، فَيَأْخُذُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ: ثُلُثَهَا، وَالثَّانِي: سُدُسَهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَيَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَفَائِدَةُ وَضْعِهِ فِي ثُلُثِهِ مِنْ الْغَاصِبَيْنِ: إيضَاحُ الْكَلَامِ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ فَغَصَبَهَا رَجُلٌ فَجَنَتْ عِنْدَهُ جِنَايَةً دُونَ الْخُمُسِ ثُمَّ رَدَّهَا فَاخْتَارُوا فِدَاءَهَا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ خُمُسُ الْفِدَاءِ وَعَلَى الرَّاهِنِ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ؛ لِأَنَّ خُمُسَهَا مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ، وَالْفِدَاءُ بِقَدْرِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا أَمَانَةٌ وَالْفِدَاءُ بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَمْسَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ رَجَعُوا عَلَى الْغَاصِبِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَقِيمَةُ الْأَمَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ.
وَإِذَا غَصَبَ رَجُلٌ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ فَاسْتَهْلَكَ عِنْدَهُ مَتَاعًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمَتَاعِ دَيْنًا فِي عُنُقِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا رَدَّهُ فَالْغَرِيمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ، وَإِنْ شَاءَ بِيعَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِوُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ مَحِلَّيْنِ إمَّا مَالِيَّتُهُ فَيُوفِيهِ بِالْبَيْعِ، أَوْ الْكَسْبُ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَلَهُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَنْفَعَةُ التَّعْجِيلِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مَنْفَعَةُ تَوْفِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute