الْآنَ فِي مِلْكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَيَقُومُ هُوَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ مَقَامَ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ دَفَعَ النِّصْفَ إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِقِيمَةِ هَذَا الْأَعْمَى، وَأَخَذَ الْأَعْمَى، فَكَانَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا أَدَّى، وَالْعَبْدُ الْأَعْمَى، وَالْأَوَّلُ رَهْنٌ بِأَلْفٍ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَدْفُوعِ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى الْأَوَّلُ أَمَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ، قُسِّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَقِيمَةِ وَلَدِهَا فَيَبْطُلُ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي رُهِنَتْ فِي الِابْتِدَاءِ فَوَلَدَتْ فَيُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا إلَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَتُهَا عَمْيَاءُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَوَّمُ حِينَ ثَبَتَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهَا وَهِيَ عَمْيَاءُ.
وَإِذَا احْتَفَرَ الْعَبْدُ - الرَّهْنُ - بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ فِيهَا شَيْئًا فَعَطِبَ بِهِ الرَّاهِنُ، أَوْ أَحَدٌ مِنْ رَقِيقِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ مِنْ ذَلِكَ ضَمَانٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَنَى بِيَدِهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى رَقِيقِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا الْمُرْتَهِنُ، أَوْ أَحَدٌ مِنْ رَقِيقِهِ فَهَذَا وَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ بِيَدِهِ سَوَاءٌ، فِيمَا اخْتَلَفُوا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ، فَكَذَلِكَ فِي جِنَايَتِهِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ.
وَإِذَا أَمَرَهُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ فَعَطِبَ فِيهَا الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفِرَ فِي فِنَائِهِ، فَإِنَّ الْفِنَاءَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ يَتَّصِلُ بِمِلْكِهِ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لَهُ مُعَدٍّ لِمَنَافِعِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِرَبْطِ الدَّوَابِّ، وَكَسْرِ الْحَطَبِ فِيهِ فَيَكُونُ التَّدْبِيرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ وَفِعْلُ الْعَبْدِ كَفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَعَطِبَ فِيهِ الرَّاهِنُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَوْضِعُ مَمْلُوكًا لَهُ تَقَيَّدَ فِعْلُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ هُوَ ضَامِنًا لِمَا يَعْطَبُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي فَنَاءِ نَفْسِهِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاهِنِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَدُفِعَ بِهِ كَانَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قِيمَتُهُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ أَمَّا مُوجَبُ الْجِنَايَةِ هُنَا فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ لَا يَمْلِكَانِ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ بِأَيْدِيهِمَا، فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُمَا فِي نَقْلِ فِعْلِ الْعَبْدِ إلَيْهِمَا، وَإِذَا بَقِيَ الْعَبْدُ جَانِيًا كَانَ مُؤَاخَذًا بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَاعْتُبِرَ أَمْرُهُمَا فِي الْحَفْرِ فِي الْفِنَاءِ لِمَا قُلْنَا فَيُنْقَلُ فِعْلُ الْعَبْدِ إلَى الْآمِرِ، فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ثُمَّ الْآمِرُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلْعَبْدِ غَاصِبًا، فَإِذَا اسْتَحَقَّ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَالْقِيمَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ، فَيَكُونُ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَعَثَهُ لِيَسْتَقِيَ دَابَّتَهُ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعَثَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِن دُفِعَ بِالْجِنَايَةِ، وَكَانَ الدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute