حِينَ بَعَثَهُ الرَّاهِنُ فِي حَاجَتِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ بِجِنَايَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعَثَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ اسْتَعَارَهُ مِنْ الرَّاهِنِ فَمَا دَامَ يَعْمَلُ لَهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ لَوْ هَلَكَ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ بِجِنَايَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْأَمَةِ - الرَّهْنِ - لِرَجُلٍ فَزَوَّجَهَا ذَلِكَ الرَّجُلَ جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ سَلَّطَ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى تَزَوُّجِهَا، وَلَوْ زَوَّجَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ النِّكَاحُ، فَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا ذَلِكَ الرَّجُلَ جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ سَلَّطَ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَلَوْ زَوَّجَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ النِّكَاحُ فَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَهُ بِتَسْلِيطِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْعِتْقِ فَالتَّزْوِيجُ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُقِرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ غَشَيَانِهَا بِنَفْسِهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُقِرُّ لَهُ، أَوْ مَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْمُقِرُّ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَشِيَهَا الزَّوْجُ رُبَّمَا تَحْمِلُ فَتَنْقُصُ مَالِيَّتُهَا بِسَبَبِ الْحَبَلِ، وَرُبَّمَا تَتَعَسَّرُ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَتَمُوتُ مِنْهَا وَفِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا لَا يَخْفَى.
وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ أَمَةً لَهَا زَوْجٌ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهَا بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ رَهْنًا جَائِزًا، فَإِنْ غَشِيَهَا الزَّوْجُ، فَهَلَكَتْ مِنْ ذَلِكَ فَفِي الْقِيَاسِ: تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا غَشِيَهَا بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ حِينَ زَوَّجَهَا مِنْهُ، فَيُجْعَلُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الرَّاهِنِ بِنَفْسِهِ (أَلَا تَرَى): أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الرَّهْنِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ التَّزْوِيجُ قَبْلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا مِنْ الْوَطْءِ لَا مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْوَطْءُ فِي الْفَصْلَيْنِ ابْتِدَاءً فِعْلٌ مِنْ الْوَاطِئِ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ يَجْعَلَهَا هَالِكَةً مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُسَلَّطًا عَلَى إتْلَافِهَا بَلْ الْمُرْتَهِنُ حِينَ قَبِلَ الرَّهْنَ فِيهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِوَطْءِ الزَّوْجِ إيَّاهَا، وَلَكِنْ لَا مُعْتَبَرَ بِرِضَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ بِالرَّهْنِ هُنَا، فَلِهَذَا يُجْعَلُ كَأَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ فَسَقَطَ الدَّيْنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّزْوِيجُ بَعْد الرَّهْنِ، فَقَدْ وُجِدَ هُنَاكَ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ تَسْلِيطُ الزَّوْجِ عَلَى وَطْئِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ وَالزَّوْجُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ هُنَا فَإِنْ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ، فَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ مِنْ الْوَطْءِ يُجْعَلُ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ فَلَا يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ.
وَإِذَا أَشْهَدَ الرَّاهِنَانِ بِالرَّهْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute