لَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ غَيْرَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ بِعْهُ وَخُذْ الثَّمَنَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ لَيْسَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَقَدْ صَارَ كَأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا فَلِهَذَا كُرِهَ فَإِنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ كَحَقِيقَتِهِ فِي وُجُوبِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ.
قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ» وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ مَنْفَعَةً لَهُ سِوَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ فَاسِدًا فَكَذَلِكَ شَرْطُ بَيْعِ الْعَبْدِ لِمَا صَارَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ وَلَا يَذْكُرُ الْمُضَارَبَةَ فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَكَذَلِكَ هُنَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ الْعَبْدَ بِعَشَرَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ وَعَمِلَ بِهَا فَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا يَصِيرُ هُوَ ضَامِنًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْحِنْطَةَ مُضَارَبَةً فَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً وَجَمِيعُ مَا رَبِحَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَجِيرًا بِاعْتِبَارِ الْمُضَارَبَةِ، وَأَوَانُ ذَلِكَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ وَجَمِيعُ مَا رَبِحَ لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ إلَّا بِالنُّقُودِ فَإِذَا بَاعَ بِالْحِنْطَةِ كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا لَقِيمَةِ الْعَبْدِ كَالْغَاصِبِ، فَإِذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحِنْطَةَ الَّتِي قَبَضَهَا لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا رَبِحَ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبِحَ مَا قَدْ ضَمِنَ، فَإِنْ قِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ اعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً فَبِهَذَا اللَّفْظِ يَنْبَغِي أَنْ تَنْفُذَ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ النَّقْدُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَكَوْنُ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ فَاسِدَةً مِنْ الدَّقَائِقِ قَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَعَلَّهُ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَيْضًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْمُضَارَبَةِ بِهَا فَمُطْلَقُ الْوَكَالَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَمِلَ بِهَا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ فِي الْمِائَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا الْمُضَارِبُ ضَامِنٌ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِرَبِّ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا يَبِيعُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ
وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَأَكْرَارُ حِنْطَةٍ، وَدَقِيقٌ فَقَالَ خُذْ أَيَّ أَصْنَافِ مَالِي شِئْت وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَأَخَذَ الْمُضَارِبُ أَحَدَ الْأَصْنَافِ فَعَمِلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَعَمِلَ بِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الشَّرْطِ وَإِنْ أَخَذَ غَيْرَهُمَا فَهُوَ فَاسِدٌ فَإِذَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute