أَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ وَالنَّظَرِ وَإِنْ كَانَ يُعَامِلُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمَا فَلِهَذَا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ مَعَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَعَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتْرُكُ الِاسْتِقْصَاءَ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ هَؤُلَاءِ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مَعَهُمْ عَلَى الْمُوَكِّل، يُوضِحُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْ الْوَكِيلِ وَقَدْ يُسْتَبَدُّ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ وَهُوَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا، وَقَدْ يَكُونُ نَائِبًا مَحْضًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُسْتَبِدِّ بِالتَّصَرُّفِ قُلْنَا: يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَلِشَبَهِهِ بِالنَّائِبِ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ مَعَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَنَائِبٌ مَحْضٌ وَهُوَ نَائِبٌ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ هَؤُلَاءِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لَمْ يَبِعْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يُبَيِّنَ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ إلَّا مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ
وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ وَلَدَهُ وَلَا فَضْلَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُضَارَبَةِ مَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَإِنْ كَانَ فِي فَضْلِ يَوْمٍ اشْتَرَاهُ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مَلَكَ مِنْهُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ مَالًا يُمْكِنُ بَيْعُهُ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنَ نَفْسِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَبَا رَبِّ الْمَالِ أَوْ ابْنَهُ أَوْ أَخَاهُ وَفِيهِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مَلَكَهُ رَبُّ الْمَالِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ بَيْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْمَدْيُونِ جَمِيعَ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَيَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَقَبَضَ الْمَأْمُورُ نِصْفَ مَا عَلَى الْمَدْيُونِ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِيهِ مَا قَبَضَهُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْتَضِيَ التَّرْتِيبَ فَكَانَ هُوَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ مَأْمُورًا بِالْقَبْضِ وَالْعَمَلِ بِهِ مُضَارَبَةً فَإِذَا قَبَضَ الْبَعْضَ وَعَمِلَ بِهِ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ جَمِيعَ الْأَلْفِ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهَا مُضَارَبَةً كَانَ مُخَالِفًا فِيمَا صَنَعَ ضَامِنًا لِلْمَالِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute