وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَهُوَ أَخَّرَ الْأَمْرَ بِالْعَمَلِ مُضَارَبَةً عَنْ قَبْضِ جَمِيعِ الْمَالِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الْأَلْفِ لَا يَأْتِي، أَوْ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً فَإِذَا عَمِلَ بِالْبَعْضِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ كَانَ مُخَالِفًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: اقْبِضِي جَمِيعَ الْمَالِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَضَتْ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَمْ تَطْلُقْ؟ وَلَوْ قَالَ اقْبِضِي جَمِيعَ الْمَالِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ شَيْئًا إذَا لَمْ يَزِدْ الزَّوْجُ وَاوَ الْحَالِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الصَّبِيِّ أَوْ إلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهِ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدِ الصَّبِيِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ لِكَوْنِهِ مُمَيَّزًا وَإِنَّمَا يُلَاقِي تَصَرُّفُهُ مَالَ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ رَاضٍ بِتَصَرُّفِهِ.
وَلَوْ اسْتَعَانَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ لَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ فَإِذَا شَرَطَ لَهُمَا نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُمَا، وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ لَا يَلْحَقُهُمَا الْحَجْرُ بِتَمَحُّضِ مَنْفَعَةٍ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ لَهُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُمَا ضَرَرًا وَهُمَا مَحْجُورَانِ عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ الضَّرَرِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِمَا لَزِمَتْ الْعُهْدَةُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْعَقْدِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ، ثُمَّ لَا تَنْتَقِلُ الْعُهْدَةُ إلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَبِرَ وَتَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ مِنْ أَهْلِ إلْزَامِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَكِنَّ حَقَّ الْمَوْلَى كَانَ مَانِعًا مِنْ إلْزَامِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ لَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إلْزَامِ الْعُهْدَةِ أَصْلًا فَلَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ وَإِنْ بَلَغَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارِ.
وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي عَمَلِ الْمُضَارَبَةِ وَقُتِلَ الصَّبِيُّ وَهُوَ فِي عَمَلِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مَا رَبِحَا فَإِنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ يُضَمِّنُ رَبَّ الْمَالِ قِيمَةَ عَبْدِهِ يَوْمَ عَمِلَ فِي مَالِهِ مُضَارَبَةً بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَجَمِيعُ مَا رَبِحَ الْعَبْدُ لِرَبِّ الْمَالِ دُونَ مَوْلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْبٌ اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ وَالْكَسْبُ لِلْغَاصِبِ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَ لِلْعَبْدِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ غَرِمَ رَبُّ الْمَالِ قِيمَتَهُ وَبَطَلَ الْأَجْرُ عَنْهُ؟ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا قُتِلَ فِي عَمَلِ رَبّ الْمَالِ بَعْدَ مَا رَبِحَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَإِنْ شَاءَ وَرَثَةُ الصَّبِيِّ ضَمَّنُوا عَاقِلَةَ رَبّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِهِ صَارَ مُتَسَبِّبًا لِهَلَاكِهِ وَهَذَا سَبَبٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا وَقَرَّبَهُ إلَى مَسْبَعَةٍ حَتَّى افْتَرَسَهُ السَّبُعُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الْمَالِ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute