للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقَامَ وَرَثَةِ الصَّبِيِّ حِينَ ضَمِنُوا لَهُمْ دِيَتَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُبَاشِرٌ، وَالْمُتَسَبِّبُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَرَّرَ عَلَيْهِ بِمُبَاشَرَتِهِ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يُسَلِّمُ لِوَرَثَةِ الصَّبِيِّ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ لَا يَمْلِكُ بِضَمَانِ الدِّيَةِ؛ وَلِأَنَّ عَاقِلَةَ رَبِّ الْمَالِ إنَّمَا غَرِمُوا الدِّيَةَ بِهَلَاكِ الصَّبِيِّ فِي عَمَلِهِ لِرَبِّ الْمَالِ لَا لِاسْتِعْمَالِ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُقْتَلْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ بَرِيئًا مِنْ دِيَتِهِ؟ فَلِهَذَا يُسَلِّمُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِوَرَثَتِهِ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً. فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْبَاقِي مِنْهُمَا: قَدْ هَلَكَ الْمَالُ

فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نِصْفِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِيمَا كَانَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا أَخْبَرَ بِهَلَاكِهِ مَعَ يَمِينِهِ.

وَأَمَّا الْمَيِّتُ، فَإِنَّ نِصْفَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَالِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَدْ مَاتَ مُجَهَّلًا، وَالْأَمِينُ بِالتَّجْهِيلِ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا فَيَكُونُ ضَامِنًا.

وَإِذَا دَفَعَ الْمُسْلِمُ إلَى النَّصْرَانِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُؤَكِّلَهُ حَرَامًا، إمَّا لِجَهْلِهِ، أَوْ لِقَصْدِهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨] أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ فِي فَسَادِ أَمْرِ دِينِكُمْ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَيَعْمَلُ بِالرِّبَا، وَلَا يَتَحَرَّزُ فِي ذَلِكَ، فَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكْتَسِبَ الرِّبْحَ بِتَصَرُّفٍ مِثْلِهِ لَهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْمُضَارِبِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَالنَّصْرَانِيُّ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّجَرَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَرَبِحَ، جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ.

وَعِنْدَهُمَا، تَصَرُّفُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ فَرْعُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، فِي الْمُسْلِمِ يُوَكِّلُ الذِّمِّيَّ بِشِرَاءِ الْخَمْرِ، فَإِنْ اشْتَرَى مَيْتَةً فَنَقَدَ فِيهَا مَالَ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ فِي الْمَيْتَةِ لَا يَكُونُ نَافِذًا، وَالْمُضَارِبُ لَا يَشْتَرِي بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَالًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ أَرْبَى فَاشْتَرَى دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ بِالرِّبَا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْهُ وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِإِفْسَادِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ هُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ.

وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مَالَ النَّصْرَانِيِّ مُضَارَبَةً، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِي التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ هُنَا الْمُسْلِمُ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>