للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَحَرَّزُ مِنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، كَمَا يَتَحَرَّزُ عَنْهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً، وَنَقَدَ الْمَالَ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا كَمَا لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مُسْلِمًا، فَإِنْ رَبِحَ فِي ذَلِكَ، رَدَّ الرِّبْحَ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، فَيَسْتَحِقُّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَلَا يُعْطِي رَبُّ الْمَالِ النَّصْرَانِيَّ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَا وَقَعَ لَهُ حِينَ اشْتَرَى مَا لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، وَصَارَ بِهِ مُخَالِفًا

وَلَوْ دَفَعَ الْمُسْلِمُ مَالَهُ مُضَارَبَةً إلَى مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ هُنَا لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ مَا لَمْ يُسَاعِدْهُ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يُسَاعِدُهُ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْخَمْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ نَصْرَانِيًّا وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ هُنَاكَ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ مُضَارَبَةً إلَى عَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ إلَى وَلَدِهِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ هَؤُلَاءِ، كَالْأَجْنَبِيِّ فَكَسَبَ الْعَبْدُ الْمُسْتَغْرِقُ بِالدَّيْنِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ.

وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَيَا بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَاهُ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ بِعَرَضٍ يُسَاوِي أَلْفًا، وَأَجَازَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مُشْتَرٍ ذَلِكَ الْعَرَضَ لِنَفْسِهِ، مُسْتَقْرِضٌ عَبْدَ الْمُضَارَبَةِ حِينَ جَعَلَهُ عِوَضًا عَمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ بِالْإِجَازَةِ صَارَ مُقْرِضًا الْعَبْدَ مِنْهُ، فَتَعْمَلُ إجَازَتُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارِبِ الْعَامِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، أَلْفٌ مِنْ ذَلِكَ يَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَأَلْفٌ أُخْرَى رِبْحُهُ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ نِصْفَهَا، وَنِصْفُهَا بَيْنَ الْمُضَارِبَيْنِ، فَيَطْرَحُ عَنْ الْعَامِلِ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ رُبْعُ الْأَلْفِ، وَيَغْرَمُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَحَقُّ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ بَيْعٌ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَمْتَنِعُ لِأَجْلِهِ نُفُوذُ إجَازَةِ رَبِّ الْمَالِ فِي حِصَّتِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ بَاعَ الْعَبْدَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَأَجَازَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ، جَازَ عَلَى الْمُضَارِبَيْنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرٍ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَاسْتِقْرَاضُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَانَ ضِمْنًا لِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا فَكَانَ فِعْلَهُ بَيْعًا مُطْلَقًا، إنْ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ نَفَذَ لِاجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَجَازَهُ رَبُّ الْمَالِ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَإِذَا كَانَ يَنْفُذُ الْعَقْدُ بِإِجَازَةِ النَّائِبِ فَبِإِجَازَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ أَوْلَى، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَلْفَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَاهُ جَمِيعًا.

وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ بَاعَ الْعَبْدَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفَيْنِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نُقْصَانًا يَدْخُلُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>