للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُضَارَبَةِ بِهَذَا السَّبَبِ، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ غِلْمَانِهِ وَدَوَابِّهِ بِخِلَافِ غِلْمَانِ الْمُضَارِبِ وَدَوَابِّهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ كَنَفَقَتِهِ، وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ نَفَقَةً فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا سَافَرَ لِأَجْلِهِ، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ غِلْمَانِهِ وَدَوَابِّهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى غِلْمَانِ رَبّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ رَبّ الْمَالِ، ضَمِنَهُ مِنْ مَالِهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إلَى وَجْهٍ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ صَرْفُهُ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُضَارَبَةِ، فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَهْلِكِ لِذَلِكَ الْمَالِ.

وَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهُ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ حُسِبَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ بِمَنْزِلَةِ صَرْفِهِ إلَيْهِ، فَيُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَفِي الْأَصْلِ أَوْضَحَ هَذَا الْفَرْقَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ أَجْعَلْ نَفَقَةَ غِلْمَانِ الْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ جَعَلْتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ لَا مَحَالَةَ، وَكُلُّ نَفَقَةٍ تَلْحَقُ الْمُضَارِبَ فِي سَفَرِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ، فَذَلِكَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَنَفَقَةُ غِلْمَانِ رَبِّ الْمَالِ لَوْ لَمْ أَجْعَلْهَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا فِي الْمَعْنَى اعْتِبَارُ نَفَقَةِ هَؤُلَاءِ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا،

وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إلَى عَبْدِهِ لِيَخْرُجَ بِهِ إلَى مِصْرٍ فَيَشْتَرِيَ بِهِ وَيَبِيعَ، فَخَرَجَ بِهِ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ عَبْدِهِ كَنَفَقَتِهِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَكَذَلِكَ عَبْدُهُ إذَا خَرَجَ.

(أَلَا تَرَى) أَنِّي لَوْ لَمْ أَجْعَلْ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، جَعَلْتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ بِإِعَانَتِهِ وَإِذْنِهِ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلَا تَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ خَرَجَ رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِعَانَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَنْفَقَ نَفْسَهُ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ، فَذَلِكَ مَحْسُوبٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَلَوْ أَبْضَعَهُ الْمُضَارِبُ مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَبْضِعِ نَفَقَةٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَبْضِعَ مُتَبَرِّعٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُسَافِرُ عَادَةً لِأَجْلِ الْبِضَاعَةِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ، وَلَوْ أَبْضَعَهُ الْمُضَارِبُ مَعَ رَبّ الْمَالِ فَعَمِلَ بِهِ، فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ لِلْمُضَارِبِ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ، فَلَا يَفْسُدُ بِهِ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا؛ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالِ، إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا، وَلَا نَفَقَةَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَبْضِعِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا.

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً، فَسَافَرَ الْآخَرُ بِالْمَالِ إلَى مِصْرٍ لِيَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ بَعْدَ قَوْلِ رَبِّ الْمَالِ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ.

لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً، وَيَقُومَ هُوَ فِي ذَلِكَ مَقَامَ رَبِّ الْمَالِ، فَكَمَا أَنَّ نَفَقَةَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ فِي سَفَرِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْمُضَارِبِ الثَّانِي

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَخَرَجَ الْمُضَارِبُ فِيهَا وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>