للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى مِصْرٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا وَيَبِيعَ، فَإِنَّ نَفَقَتُهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا، جُزْءٌ مِنْهَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ لِأَجَلِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ مَالِ نَفْسِهِ، احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ، فَيَنْظُرُ إلَى مَنْفَعَةِ خُرُوجِهِ وَعَمَلِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، فَيَقْسِمُ النَّفَقَةَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَغْرَمَ مُقَابِلٌ بِالْمَغْنَمِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَخَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْخَلْطِ، فَكَانَ إخْرَاجُهُ الْمَالَيْنِ بَعْدَ الْخَلْطِ؛ كَإِخْرَاجِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ،

وَكُلُّ مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ فَسَادِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ، رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ؟ وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِالصَّحِيحَةِ، فَكَمَا أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ بَدَلًا مَضْمُونًا بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَالِ حُسِبَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَأُخِذَ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَنْفَقَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ دَيْنٍ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ مَدْيُونِهِ، وَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَفِي هَذَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الزِّيَادَةِ.

وَإِذَا أَنْفَقَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْمِصْرِ الَّذِي قَصَدَهُ، لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا حَتَّى رَجَعَ بِالْمَالِ إلَى مِصْرِهِ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَا بَقِيَ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُضَارِبِ ضَمَانُ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَهُ فَإِنَّ سَفَرَهُ كَانَ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ، وَبِأَنْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ سَفَرَهُ لَا يَكُونُ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ.

فَالتَّاجِرُ لَا يَشْتَرِي بِالْمَالِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَأْتِيهِ لِلتِّجَارَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدَ مَا يَرْبَحُ عَلَيْهِ اشْتَرَى، وَإِلَّا رَجَعَ بِالْمَالِ، وَذَلِكَ أَرْفَقُ الْوَجْهَيْنِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ، لَا يَخْرُجُ هُوَ بِهِ، مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ.

وَإِذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَأَخْبَرَهُ بِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ الْعَاشِرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَاشِرُ يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا - لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَا أَخَذَهُ الْعَاشِرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَاوِيًا أَوْ مَأْخُوذًا بِحَقٍّ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُضَارِبِ.

وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْعَاشِرَ بِغَيْرِ إلْزَامٍ مِنْ الْعَاشِرِ لَهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَعْطَى. وَكَذَلِكَ إنْ صَانَعَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ حَتَّى كَفَّ عَنْهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى بِاخْتِيَارِهِ إلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَهْلِكًا لِمَا أَعْطَى، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْجَوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>