للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي زَمَانِنَا بِخِلَافِ هَذَا.

وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا يُعْطِي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى سُلْطَانٍ طَمِعَ فِيهِ وَقَصَدَ أَخْذَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا صَانَعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْإِصْلَاحَ بِهَذِهِ الْمُصَانَعَةِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ، أَخَذَ الطَّامِعُ جَمِيعَ الْمَالِ، فَدَفَعَ الْبَعْضَ لِإِحْرَازِ مَا بَقِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْحِفْظِ فِي زَمَانِنَا، وَالْأَمِينُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ يَكُونُ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِ الْمُودَعِ فَنَاوَلَ الْوَدِيعَةَ أَجْنَبِيًّا.

فَأَمَّا فِي زَمَانِهِمْ فَكَانَتْ الْقُوَّةُ لِسَلَاطِينِ الْعَمَلِ، فَكَانَ الْأَمِينُ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الْأَمْرِ إلَيْهِمْ؛ لِيَدْفَعُوا الظَّالِمَ عَنْ الْأَمَانَةِ، فَلِهَذَا قَالَ: إذَا صَانَعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَعْطَى.

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ مَتَاعًا، أَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا، فَنَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلْدَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَمَّا قَبْلَ الشِّرَاءِ بِالْمَالِ فَالْجَوَابُ صَحِيحٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ أَصْلًا، مَا بَقِيَ الْمَالُ نَقْدًا فِي يَدِهِ، فَإِذَا قَيَّدَ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، كَانَ أَقْرَبَ إلَى الصِّحَّةِ، وَالْحَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ كَحَالِ الْعَقْدِ فِي انْتِفَاءِ صِفَةِ اللُّزُومِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَانْعِدَامِ حَقِّ الْمُضَارِبِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّقْيِيدَ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِالْمَالِ.

فَأَمَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالِ؛ فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْجَوَابُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ، وَمَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ. فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُسَافَرَةَ، بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ يَمْلِكُ رَفْعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ التَّقَيُّدَ فِيمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قُلْنَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ؛ لَهُ حَقُّ الْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الْمَالِ عُرُوضًا، لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَمَّا صَارَ مُسْتَفَادًا لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَهُوَ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ، عَامِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ كَانَ بِمُطْلَقِ الْمُسَافَرَةِ لِدَلَالَةِ اسْمِ الْعَقْدِ، فَالْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، أَوْ لِمُرَاعَاةِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ مِنْ حِفْظِهِ الْمَالَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مُسَافِرًا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ.

وَهَذَا كُلُّهُ يَنْعَدِمُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ بِخِلَافِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ حَقَّ الْمُضَارِبِ يَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ حِينَ صَارَ الْمَالُ عَرَضًا؛ لِأَنَّ رِبْحَهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ، وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ، إمَّا بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُضَارِبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْبَلْدَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيفَاءُ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ فِي أَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَصُونًا عَنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا مَمْلُوكٌ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ، ضَمِنَهُ لِلْخِلَافِ، وَالْأَمِينُ مَتَى خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ نَصًّا، كَانَ ضَامِنًا، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>