للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجِّ.

بِخِلَافِ سَفَرِهِ إلَى مِصْرٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَيًّا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا يَنْهَاهُ عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَفِي يَدِهِ مَتَاعٌ، فَخَرَجَ بِهَا إلَى مِصْرِ رَبّ الْمَالِ، فَإِنِّي لَا أُضَمِّنُهُ مَا هَلَكَ مِنْ الْمَتَاعِ فِي سَفَرِهِ، وَأَجْعَلُ نَفَقَتَهُ فِي الْمَالِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ بِالْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ، كَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ إذَا نَهَاهُ فِي الْمِصْرِ، فَكَمَا أَنَّ نَهْيَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ إيفَاءً لِحَقِّ الْمُضَارِبِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ.

وَلَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي يَدِهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ فِي مِصْرٍ آخَرَ، وَكَانَ رَبُّ الْمَالِ حَيًّا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَنْهَاهُ عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَأَقْبَلَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبّ الْمَالِ، فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ رَدِّ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ مِصْرَهُ، فَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ هُنَاكَ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ، كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا، وَهُوَ بِمَا صَنَعَ يَتَحَرَّزُ عَنْ الْخِلَافِ، فَلَا يَضْمَنُهُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ، فَإِنْ سَلِمَ حَتَّى قَدِمَ، وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْهُ عَلَى سَفَرِهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ نَهْيِهِ، إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ نَقْدًا، فَإِنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ بِبَقَاءِ حَقِّ الْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَالِ هُنَا، فَهَذَا الْمَالُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِهِ، وَالْمُودَعُ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا لِرَبِّ الْمَالِ؟ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا؟ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا، فَقَدْ بَقِيَ الْعَقْدُ هُنَاكَ؛ لِبَقَاءِ حَقِّ الْمُضَارِبِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؟ فَكَذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ وَبَاعَ، فَصَارَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِعَمَلِهِ، فَيُجْبَرُ عَلَى إكْمَالِ الْعَمَلِ كَالْأَجِيرِ، وَذَلِكَ بِالتَّقَاضِي حَتَّى يَقْبِضَ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ، فَالْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ، إذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ تَصَرُّفِهِ شَيْئًا، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَقَاضِي الثَّمَنِ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَكَذَلِكَ هُنَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ رَبَّ الْمَالِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ إذَا لَمْ يُعَامِلْهُمْ، وَلَيْسَ فِي امْتِنَاعِ الْمُضَارِبِ مِنْ أَنْ يُحِيلَهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِمْ إلَّا التَّعَنُّتُ، وَالْقَصْدُ إلَى إتْوَاءِ مَالِهِ، فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.

تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ، فَلَا بُدَّ لِلْمُضَارِبِ مِنْ أَنْ يَتَقَاضَى نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَيَقْبِضَ، فَإِذَا قَبَضَ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>