للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحِسَابِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ رَأْسُ الْمَالِ رَبَّ الْمَالِ، لَا يُسَلَّمُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ، ثُمَّ يَقْبِضُ ثَانِيًا مِثْلَهُ فَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، فَلَا يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَ الْمَالِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ، فَلَا حَاجَةَ بِالْمُضَارِبِ إلَى تَقَاضِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ إذْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْمَالِ، فَيُؤْمَرُ أَنْ يُحِيلَ بِهِ رَبَّ الْمَالِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْوَكِيلُ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَهُوَ فِي مِصْرِهِ، فَأَنْفَقَ فِي تَقَاضِيهِ، وَخُصُومَةِ أَصْحَابِهِ، وَطَعَامِهِ، وَرُكُوبِهِ، نَفَقَةً لَمْ يَرْجِعْ بِهَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَا دَامَ يَتَصَرَّفُ فِي مِصْرِهِ، لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ يُحْيِي حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ، فَهُوَ كَبَيْعِهِ الْعُرُوضَ فِي مِصْرِهِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَائِبًا عَنْ مِصْرِ الْمُضَارِبِ، فَأَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ، وَتَقَاضِيهِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ وَسَعْيَهُ كَانَ لِأَجْلِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي الْمَالِ؛ كَمَا لَوْ سَافَرَ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا أَنْفَقَ فِي السَّفَرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ بِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ؛ بِأَنْ لَا تَصِلَ يَدُهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ إلَى نَفَقَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ كَالْوَصِيِّ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَيُؤَدِّي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، إلَّا أَنْ تَزِيدَ نَفَقَةُ الْمُضَارِبِ عَلَى الدَّيْنِ، فَلَا يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلَوْ اسْتَوْجَبَ الزِّيَادَةَ، إنَّمَا يَسْتَوْجِبُهَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ سَعْيَهُ لِإِصْلَاحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلِمَنْفَعَةِ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْعَدِمُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَالِ.

وَإِذَا سَافَرَ الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى طَعَامَهُ وَكِسْوَتَهُ، وَاسْتَأْجَرَ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ. فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ حَتَّى تَوِيَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ

، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي الْمَالِ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَبِهَلَاكِ الْمَالِ فَاتَ مَحَلُّ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ؛ كَالْعَبْدِ الْجَانِي، أَوْ الْمَدْيُونِ إذَا مَاتَ.

وَمَالُ الزَّكَاةِ إذَا هَلَكَ، لَا تَبْقَى الزَّكَاةُ وَاجِبَةً بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ ثَمَنُ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَأُجْرَةُ الدَّابَّةِ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الِالْتِزَامِ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ اشْتَرَى طَعَامًا لِلْمُضَارَبَةِ، فَضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ عُهْدَةِ عَمَلِهِ، وَذَلِكَ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فِي الْأُجْرَةِ فِيمَا تَعَذَّرَ إيفَاؤُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ.

فَأَمَّا فِيمَا يَشْتَرِي أَوْ يَسْتَأْجِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>