وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً، كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ فِي هَذَا الشِّرَاءِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْغُلَامِ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْغُلَامِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاهِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ مِنْ رَجُلٍ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ بِرِبْحِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَأَجَازَ رَبُّ الْعَبْدِ الْبَيْعَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَةِ رَبِّ الْعَبْدِ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْعَبْدِ فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّ بِمِلْكِهِ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِإِجَازَةِ رَبِّ الْعَبْدِ وَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ، ثُمَّ الْجَارِيَةُ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمُضَارِبِ، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ الْغُلَامَ وَيَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ الْجَارِيَةَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَيَرْجِعُ مَوْلَى الْغُلَامِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لِلْجَارِيَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي شِرَائِهَا، فَنَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَةِ رَبِّ الْغُلَامِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ الْغُلَامَ لِيَدْفَعَهُ فِي ثَمَنِهَا، وَهُوَ بِالْإِجَازَةِ صَارَ مُقْرِضًا مِنْهُ وَاسْتِقْرَاضُ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَكِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْغُلَامِ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ وَصَيْرُورَتِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ جَارِيَةٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَبَاعَهَا بِغُلَامٍ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ إنَّ الْمُضَارِبَ بَاعَ الْغُلَامَ مِنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِلْجَارِيَةِ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهَا.
وَلَوْ بَاعَ الْغُلَامَ مِنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ بِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَيُعْطِيهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْجَارِيَةِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْوَضِيعَةِ نُقْصَانُ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ ثَمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ بَاعَ الْغُلَامَ مِنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ بِعَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْجَارِيَةِ.
وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا الْغُلَامَ بِرِبْحِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَ جَائِزًا، وَيَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّاهُ رِبْحًا وَضَمَّهُ إلَى الْجَارِيَةِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك بِوَضِيعَةٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ لَفْظِ الْوَضِيعَةِ النُّقْصَانَ، وَإِنَّمَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ مِقْدَارُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ. وَالْبَيْعُ بِالْوَضِيعَةِ كَالْبَيْعِ مُرَابَحَةً فِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْجَارِيَةُ إلَى التَّقْوِيمِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْغُلَامَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ إلَّا مِقْدَارَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute