وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِخِيَّةٍ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا، ثُمَّ بَاعَهُ بِالْكُوفَةِ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفُ دِرْهَمٍ بِخِيَّةٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ غَلَّةُ نَقْدِ الْكُوفَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَبِيعُك بِرِبْحِ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ بَخِّيَّةً؛ لِأَنَّ مُوجَبَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ ثَمَنِ الْأَوَّلِ بِصِفَتِهِ لِيَكُونَ الرِّبْحُ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، كَمَا سُمِّيَ فِيهِ وَتَسْمِيَةُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى غَلَّةِ الْكُوفَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَبِيعُكَ بِرِبْحِ دِينَارٍ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِخِيَّةٍ وَدِينَارًا مِنْ نَقْدِ الْكُوفَةِ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بِوَضِيعَةٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ بِوَضِيعَةٍ عَشَرَةً أَحَدَ عَشَرَ كَانَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ الْبَخِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ لَا تَكُونُ أَبَدًا إلَّا مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ طَرَحَ بَعْضَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَيِّ لَفْظٍ ذَكَرَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَطْرُوحُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالرِّبْحُ لَيْسَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ فَلِهَذَا افْتَرَقَا.
وَإِذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا بِغُلَامٍ وَتَقَابَضَا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ بَاعَ الْمُضَارِبُ الْغُلَامَ مِنْ رَبّ الْجَارِيَةِ بِرِبْحِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْبَدَنِ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا رَدَّهَا مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَكَانَ وُجُودُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَعَدَمِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ فَإِنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ الْغُلَامَ بِالْجَارِيَةِ، وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا عِنْدَ هَذَا الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْ الْجَارِيَةَ فَلَا إشْكَالَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا مَعِيبَةً وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ بِعَيْبِهَا، وَإِنْ لَمْ يُلْفِ فِيهَا نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ فَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْوِلَادَةَ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا بِخِلَافِ رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ ثَمَّةَ، وَالتَّوْلِيَةُ فِي هَذَا كَالْمُرَابَحَةِ، وَمَقْصُودُ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ جَازَ بَقِيَ الْوَلَدُ رِبْحًا لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ فَأَمَّا التَّوْلِيَةُ، أَوْ الْمُرَابَحَةُ فَلَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ مَعَ سَلَامَةِ الْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً وَبَاعَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ بَاعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ضَمَّ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute