وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يُخَلِّيَ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِذَا اشْتَرَطَ عَمَلَ نَفْسِهِ مَعَهُ تَنْعَدِمُ هَذِهِ التَّخْلِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي أَيْدِيهِمَا يَعْمَلَانِ فِيهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فَارَقَتْ الشَّرِكَةَ فِي الِاسْمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُفَارِقَهَا فِي الْحُكْمِ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا مِنْ حُكْمِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَاسْتَوَتْ الْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ فِي الْعَمَلِ وَشَرْطِ الرِّبْحِ، فَلَا يَبْقَى لِاخْتِصَاصِ الْمُضَارَبَةِ بِهَذَا الِاسْمِ فَائِدَةٌ
وَإِذَا أَخْرَجَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ بِهَذِهِ مُضَارَبَةً فَاشْتَرِ بِهَا وَبِعْ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ إلَى الْمُضَارِبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ لِيَكُونَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، فَبَقِيَ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ، فَإِذَا تَصَرَّفَ كَانَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ الْمُضَارِبُ وَعَبْدُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ، وَلِلْمُضَارِبِ وَالْعَبْدِ نِصْفُ الرِّبْحِ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ فِي حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ كَعَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً فَمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمُضَارَبَةِ يُوجَدُ مَعَ اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالْمَالِ، بِخِلَافِ شَرْطِ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ مُضَارَبَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي كَسْبِهِ، وَلَيْسَتْ يَدُهُ بِيَدِ رَبِّ الْمَالِ فَيَتَحَقَّقَ خُرُوجُ الْمَالِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ اشْتِرَاطِ عَمَلِ عَبْدِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي عَبْدِهِ فَهُوَ فِي مُكَاتَبِهِ، وَابْنِهِ، وَأَبِيهِ أَظْهَرُ. وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوِضَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَالِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ بِمِلْكِهِ رَأْسَ الْمَالِ، فَاشْتِرَاطُ عَمَلِ شَرِيكِهِ كَاشْتِرَاطِ عَمَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الشَّرْطِ تَبْقَى الْمُرَابَحَةُ لِمَالِكِ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي الْيَدِ فَتَنْعَدِمُ بِهِ التَّخْلِيَةُ.
وَإِنْ كَانَ شَرِكَةَ عِنَانٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمِلْكِهِ فِي بَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُنَزَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ مَالًا مِنْ غَيْرِ شَرِكَتِهِمَا مُضَارَبَةً.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ الْأَبُ بِالْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute