عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِلِابْنِ ثُلُثَهُ وَلِلْأَبِ ثُلُثَهُ جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ لَوْ أَخَذَ مَالَ الصَّبِيِّ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَ فِيهِ بِنِصْفِ الرِّبْحِ جَازَ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ مُضَارَبَةً، وَكُلُّ مَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِيهِ مُضَارِبًا وَحْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِيهِ مَعَ غَيْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ بِالْعَمَلِ لَا بِمِلْكِ الْمَالِ فَكَانَا فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَمَا هُوَ شَرْطُ الْمُضَارَبَةِ؟ وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَا يَنْعَدِمُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ يَدُ الْمُضَارِبِ عَلَى الْمَالِ كَيَدِ الْمُضَارِبَ الْآخَرِ.
وَلَوْ كَانَ الْأَبُ اشْتَرَطَ الِابْنَ مَعَ مُضَارِبٍ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا بِالْعَمَلِ فِي مَالِ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمِلْكِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَصِيَّهُ وَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَصِيَّهُ وَشَرَطَ عَمَلَ نَفْسِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ، فَكَذَلِكَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ ثُمَّ أَجْرُ مِثْلِ الْمُضَارِبِ فِي عَمَلِهِ عَلَى الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ يُؤَدِّيَانِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّمَا يُطَالِبُ بِالْأَجْرِ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَالْأَبُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ لِلِابْنِ فَيُؤَدَّى أَجْرُهُ مِنْ مَالِ الِابْنِ.
وَإِذَا دَفَعَ لِرَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَدَّهُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ وَيَبِيعَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَفَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ فَرَبِحَ، وَلَمْ يَلِ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُعَيَّنٌ لِلْمُضَارِبِ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ، وَالْمَالُ فِي يَدِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبِضَاعَةِ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ.
وَلَوْ أَبْضَعَهُ غَيْرُهُ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَبْضَعَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَدُّهُ الْمَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ - عَمَلُهُ، وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي مَالِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَقْضِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَنَافِعُ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ كَمَنَافِعِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، فَكَمَا يَجُوزُ إقَامَةُ عَمَلِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ مَقَامَ عَمَلِ الْمُضَارِبِ مَا اسْتَعَانَ بِهِ بَعْدُ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ إقَامَةُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَنْزِلِ الْمُضَارِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ وَرَبِحَ فَقَدْ انْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ، كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ هُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ مَا اسْتَعَانَ بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ كَانَ غَاصِبًا عَامِلًا لِنَفْسِهِ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا فَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ أَيْضًا فَانْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ لِفَوَاتِ الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا الْمُضَارِبُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَأَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُضَارِبِ فَرَبِحَ فِيهَا جَازَ بَيْعُهُ وَالرِّبْحُ، عَلَى مَا اشْتَرَطَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute