للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّبْحِ أَجْرًا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمَالِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي مَالٍ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَجْرًا فِيمَا عَمِلَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَوْجِبُ حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ أَيْضًا أَجْرًا مُسَمًّى عَلَيْهِ، إذْ يَلْزَمُ عِوَضَانِ لِسَلَامَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ لَهُ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمَلَهُ وَرَأْسَ مَالِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَجْرًا، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَلَا أَجْرَ لِلْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا سَلَّمَ عَمَلَهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارَبَةُ شَرِكَةٌ، وَالشَّرِكَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى يُنَافِي مُوجَبَ الْمُضَارِبَةِ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَهَا، وَاشْتِرَاطُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى يَجْعَلُ الْعَقْدَ لَازِمًا، وَكُلُّ شَرْطٍ يُضَادُّ مُوجَبَ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْمُضَارَبَةِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَفْسُدُ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: إنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ أَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ: كُلَّ شَهْرٍ فَصَارَ الْأَجْرُ شَرْطًا عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي قَدْ اشْتَرَطَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ قَالَ: عَلَى أَنَّ لَهُ أَجْرًا: عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، فَالْأَجْرُ هُنَاكَ مَشْرُوطٌ بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ شَيْئًا، وَشَرَطَ الرِّبْحَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَكَانَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ، إذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَفْسُدْ الْآخَرُ، بِهِ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: الْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ؛ وَلِهَذَا شَرَطَ التَّوْقِيتَ فِيهَا، وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَشَرِكَةٌ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّوْقِيتُ، وَالشَّرِكَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ قَوْلُهُ: هَذَا الشَّرْطُ يُضَادُّ مُوجَبَ الْمُضَارَبَةِ، قُلْنَا: الشَّرْطُ لَا يُضَادُّ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ صِحَّةَ الشَّرْطِ وَاسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِهِ يُوجِبُ اللُّزُومَ، وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا، بَلْ هُوَ لَغْوٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا صَحِيحَةً كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْمُضَارَبَةِ، وَلِذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ الْآجِرَ لِعَبْدٍ لَهُ يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ، أَوْ لِبَيْتٍ يَشْتَرِي فِيهِ وَيَبِيعُ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَلَا أَجْرَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ، وَلَا لِبَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْبَيْتِ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ وَعَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حِفْظِ الْمَرْهُونِ، وَعَبْدُ الْمُضَارِبِ الَّذِي لَا دَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>