للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بَاقٍ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَالِ، وَإِنْ صَارَ مُخَالِفًا وَنُفُوذُ بَيْعِ الْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا يَنْفِي جَوَازَ بَيْعِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا، فَمَا أَصَابَ زِيَادَةَ الصَّبْغِ فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَمَا أَصَابَ الثِّيَابَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُضَارِبِ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِ الثِّيَابِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا، وَالِاخْتِلَاطُ الَّذِي فِي الثَّمَنِ حُكْمِيٌّ، وَبِهِ لَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ مُخَالِفًا ضَامِنًا، فَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ حِينَ اشْتَرَاهَا الْمُضَارِبُ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَصَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ ضَمَّنَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَسَلَّمَ الثِّيَابَ لِلْمُضَارِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ، وَأَعْطَى الْمُضَارِبَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الرُّبْعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِالصَّبْغِ، فَإِنَّ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الثِّيَابِ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا هُوَ مُخَالِفٌ لِعَمَلِهِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِالْخَلْطِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ نَظِيرَ جَمِيعِ الثِّيَابِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْخِيَارِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى بَاعَهَا الْمُضَارِبُ جَازَ بَيْعُهُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الصَّبْغِ، وَكَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةُ الصَّبْغِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَاقِي مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا.

وَلَوْ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَصْبُغْ الثِّيَابَ، وَلَكِنْ قَصَّرَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ يَزِيدُ فِيهَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ بِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْخَلْطِ لَا بِعَمَلِ الْقَصَّارَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَضْلٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ الثِّيَابَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ زَادَتْ، أَوْ نَقَصَتْ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَّرَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ بِخَلْطِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ ضَامِنًا هُنَاكَ، فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ، أَوْ وَضِيعَةٍ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا غَرِمَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي قَصَّارَتِهَا، قِيلَ: هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَصَّارَةِ جَرَى الرَّسْمُ بِإِلْحَاقِهَا بِرَأْسِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا تُسَاوِي أَلْفًا فَصَبَغَهَا أَسْوَدَ فَهَذَا وَالْقَصَّارَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ بِالْمُضَارَبَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلسَّوَادِ فِي الثِّيَابِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يَمْلِكُ أَنْ يَصْبُغَ الثِّيَابَ بِالسَّوَادِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>