فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهَا سَوَادًا لَمْ يَضْمَنْ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسَّوَادُ كَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا فِي ثِيَابٍ يَنْقُصُ السَّوَادُ مِنْ قِيمَتِهَا، فَأَمَّا فِي ثِيَابٍ يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَبَغَهَا أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ بِرَأْيِهِ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا ثُمَّ صَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الثِّيَابِ بِمَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَلْطَ عِنْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَأَصْلُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالصَّبْغُ فِيهِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً.
وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ، فَاشْتَرَى بِهَا وَبِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَهَلَكَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى، وَالْجَارِيَةُ وَثَمَنُهَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ: فَعَلَى الْمُضَارِبِ تِسْعَةُ آلَافٍ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا اشْتَرَاهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ: فَأَلْفٌ مِنْهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ، وَثَلَاثَةُ آلَافٍ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ: نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، ثُمَّ بَاعَ الْجَارِيَةَ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَيَكُونُ هُوَ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي مِقْدَارِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ.
وَذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ: خَمْسَةُ آلَافٍ، مِقْدَارُهُ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ هَذِهِ: الْخَمْسَةُ الْآلَافُ كَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، حِصَّةُ أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَلِلْمُضَارِبِ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَثُلُثُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ، فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا، فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ أَيْضًا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا، هَذَا حَاصِلُ مَا عَلَى الْمُضَارِبِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ آلَافٍ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَوَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَإِذَا جَمَعْت حَاصِلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَفَرِّقًا بَلَغَ هَذَا الْمِقْدَارَ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْمُضَارَبَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ، وَالْخَمْسَةُ آلَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا يُؤَدِّي تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا بَيَّنَّا، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute