اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ، فَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَجَوَازِهَا اسْتِدْلَالًا بِالْمُعَامَلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ خَيْبَرَ فِي النَّخِيلِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ بِخَيْبَرَ نَخِيلٌ وَمَزَارِعُ، فَقَدْ كَانَ عَقْدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَقْدَ مُزَارَعَةٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ قَالَ لِلْيَهُودِ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ» وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّلْحِ، وَقَدْ يَجُوزُ مِنْ الْإِمَامِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ بَيْتِ الْمَالِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ عَلَى طَرِيقِ الصُّلْحِ، مَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَضْعُفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِمُعَامَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ، وَفِيهِ دَلِيلُ هِدَايَةِ ابْنِ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَابِ الْخَرْصِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ نَخْلٍ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ أَصَابَ فِي الْخَرْصِ حِينَ رَغِبُوا فِي أَخْذِ ذَلِكَ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيًّا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَك وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسَمِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ إنَّكُمْ أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، أَمَّا الَّذِي عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَهُوَ سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» وَإِنَّمَا طَلَبُوا مِنْ ابْنِ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ وَتَرْكِ بَيَانِ الْحَقِّ لِأَجْلِهِ، فَإِنَّهُمْ كَتَمُوا بَعْثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْثَ أُمَّتِهِ مِنْ كِتَابِهِمْ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: ٧٩] وَمَا طَلَبُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ وَخِيَانَةٍ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِمْ وَبِهِ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْخَرَّاصِينَ: خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَارِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ» ثُمَّ إنَّهُ قَطَعَ طَمَعَهُمْ بِمَا قَالَ: " إنَّكُمْ مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ " وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي بُغْضِ الْيَهُودِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُمْ فِي عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: ٨٢] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا خَلَا يَهُودِيٌّ بِمُسْلِمٍ إلَّا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِقَتْلِهِ» وَكَانَ شَكْوَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute