: «لَوْ آمَنَ بِي اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ آمَنَ بِي كُلُّ يَهُودِيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ» يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْبُغْضَ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْحَيْفِ وَالظُّلْمِ عَلَيْهِمْ، فَالْحَيْفُ هُوَ الظُّلْمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور: ٥٠] فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ مَا عَرَضُوا مِنْ الرِّشْوَةِ عَلَى الْمَيْلِ إلَيْهِمْ؟، وَقَالَ: " أَمَّا الَّذِي عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ يَعْنِي تَنَاوُلَ السُّحْتِ مِنْ مُعَامِلِيكُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: ٤٢] وَالسُّحْتُ هُوَ الْحَرَامُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِئْصَالِ، مَأْخُوذٌ مِنْ السُّحْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى} [طه: ٦١] أَيْ يَسْتَأْصِلَكُمْ فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، يَعْنِي: مَا يَقُولُهُ حَقٌّ وَعَدْلٌ وَبِالْعَدْلِ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَمْتِعَةَ النَّسَاءِ وَحُلِيَّهُنَّ لَمْ تَزَلْ عُرْضَةً لِحَوَائِجِ الرِّجَالِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ تَحَكَّمُوا عَلَى نِسَائِهِمْ فَجَمَعُوا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ، وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ يَسَارٍ فَسَأَلَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَأَبَتْ فَقَالَ: لَا تَكُونِي أَكْفَرَ مِنْ نِسَاءِ خَيْبَرَ كُنَّ يُوَاسِينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِحُلِيِّهِنَّ وَأَنْتِ تَأْبَيْنَ ذَلِكَ «، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: بَعَثَنِي إلَيْكُمْ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَلَأَنْتُمْ عَلَيَّ أَهْوَنُ مِنْ الْخَنَازِيرِ، وَلَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ هَكَذَا» يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ نَالَ الْعِزَّ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: ١٠٣] يَعْنِي بِمُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَنْزِلَةِ أَيْضًا، فَهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَنَازِيرِ فِيمَا أَظْهَرُوا مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَدًا وَتَعَنُّتًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مُسِخَ مِنْهُمْ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: ٦٠] وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ سُفَهَائِهِمْ شَتِيمَةً فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَتَشْتُمُونَنِي يَا إخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ " فَقَالُوا: " مَا كُنْت فَحَّاشًا يَا أَبَا الْقَاسِمِ " قَالَ: " وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُنِي مِنْ أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ " فَقَالُوا: " بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " أَيْ: بِالْحَقِّ وَمُخَالَفَتِهِ الْهَوَى وَالْمَيْلِ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: " قَدْ خَرَصْت عَلَيْكُمْ نَخِيلَكُمْ " فَفِيهِ دَلِيلٌ: أَنَّ النَّخِيلَ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ، وَأَنَّ مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ شِئْتُمْ فَخُذُوهُ وَلِي عِنْدَكُمْ الشَّطْرُ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْته، وَلَكُمْ عِنْدِي الشَّطْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute