الْمَشْرُوطَ لِلْعَبْدِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَهُوَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَالْعَبْدُ مَدْيُونٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْهُ كَأَجْنَبِيٍّ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ مَعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي آخَرِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْدَمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ التَّخْلِيَةِ وَالْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ فِي جُمْلَةِ مَا يَكُونُ فَاسِدًا مِنْ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْبَذْرُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْعَمَلُ وَالْأَرْضُ مَشْرُوطًا عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا فَاسِدٌ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ فِي الْمُزَارَعَةِ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَيَجُوزُ فِي الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْعَامِل، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ دَفْعُ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ. فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَصَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ مَا اسْتَأْجَرَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَتَنْعَدِمُ التَّخْلِيَةُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ فِي يَدِ الْعَامِلِ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَارَ الرِّيعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ، وَالْأَرْضُ لَهُ لَمْ يَتَصَدَّق بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِي الْخَارِجِ خُبْثٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ نَمَاءُ الْبَذْرِ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ، وَالْأَرْضُ مِلْكُهُ وَالْبَذْرُ مِلْكُهُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ لَهُ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ خُبْثٌ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ الْخَارِجَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ، وَبِهَذَا جَعَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْخَارِجَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ إنَّمَا سَلِمَتْ لَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا بِمِلْكِهِ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فَيَتَصَدَّقُ لِذَلِكَ بِالْفَضْلِ، وَنَعْنِي بِالْفَضْلِ أَنَّهُ يَرْفَعُ مِنْ الْخَارِجِ مِقْدَارَ بَذْرِهِ وَمَا غَرِمَ فِيهِ مِنْ الْمُؤَنِ وَالْأَجْرِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ أَجْرَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَتَقَوَّمُ بِدُونِ الْعَقْدِ، وَلَا عَقْدَ عَلَى مَنَافِعِهِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، فَلِهَذَا لَا يَرْفَعُ أَجْرَ مِثْلِ نَفْسِهِ مِنْ الْخَارِجِ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَقَرِ مِنْ الْخَارِجِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ لِصَاحِبِ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِنَفْسِهِ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ كَالْمَشْرُوطِ لِصَاحِبِهِ، وَمَا يُشْتَرَطُ لِلْمَسَاكِينِ لِلْخَارِجِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا بَذْرٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْخَارِجِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُمْ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِمِلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute