الْبَذْرِ لَا يُشْتَرَطُ، وَالْأُجْرَةُ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مِقْدَارَ مَا شُرِطَ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَسُمِّيَ مَا لِلْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَأَمَّا صَاحِبُ الْبَذْرِ فَيَسْتَحِقُّ بِمِلْكِهِ الْبَذْرَ، فَلَا يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُهُ بِتَرْكِ الْبَيَانِ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ سَمَّى نَصِيبَ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا لِلْآخَرِ فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى ذِكْرِهِ وَتَرَكُوا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَبِدُونِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بَيَانَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْآخَرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ: عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَلَك الثُّلُثُ
وَإِذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِبَذْرِي فِي أَرْضِي بِنَفْسِك وَبَقَرِك وَأُجَرَائِك فَمَا خَرَجَ فَهُوَ كُلُّهُ لِي جَازَ، وَالْعَامِلُ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ اسْتَعَانَ بِهِ فِي الْعَمَلِ حِينَ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا؛ وَلِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَمْ تَتَقَوَّمْ مَنَافِعُهُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ مُعِيرٌ لِأَرْضِهِ مُقْرِضٌ لِبَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الْخَارِجِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْخَارِجِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِلْكًا لَهُ، وَلِتَمْلِيكِ الْبَذْرِ مِنْهُ هُنَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْهِبَةُ، وَالثَّانِي: الْقَرْضُ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ ثُمَّ الْبَذْرُ عَيْنٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْهِبَةِ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا فَلَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَتِهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا كَانَ مُعِيرُ الْأَرْضِ مُقْرِضًا لِلْبَذْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حَانُوتًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اعْمَلْ بِهَا فِي حَانُوتِي عَلَى أَنْ الرِّبْحَ كُلَّهُ لَك فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقْرِضًا لِلْأَلْفِ مُعِيرًا لِلْحَانُوتِ
وَلَوْ قَالَ: ازْرَعْ فِي أَرْضِي كُرًّا مِنْ طَعَامِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك لَمْ يَجُزْ هَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ. وَحُكِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ جَمِيعَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمِلْكِ الْبَذْرِ فَكَأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ الْبَذْرَ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي إلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الْأَرْضِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: " عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِي " مُحْتَمَلٌ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْخَارِجَ لِي عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْخَارِجَ لِي بِحُكْمِ اسْتِقْرَاضِ الْبَذْرِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ تَمْلِيكُ الْبَذْرِ مِنْهُ بِالْمُحْتَمَلِ فَكَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute